دخل عليّ زوجي يحمل دستة من الكتب وأخذ يخرجها من الكيس الواحد تلو الآخر ويعرِّفني بالكتاب وبالمؤلف وما أهميته، فهذا كتاب عن تاريخ ليبيا، وهذه رواية رخيصة، وتلك قصة راقية، وكتب فلسفية منوعة، وأنا واقفة وسؤال واحد داخل رأسي يدور «يا ترى كم ثمن هذه الكتب؟»، وكانت المفاجأة حين أخبرني أنها لم تتجاوز 40 دينارًا.
كتب مستعملة كما يحب بائعها أن يطلق عليها، من يبيع هذه الكتب إلى المكتبات؟ وما هي الأسباب التي تدفعهم إلى ذلك؟.
توجهت بأسئلتي لأشهر بائعي الكتب المستعملة في مدينة بنغازي بالسيد رابح البرعصي حيث حدثنا عن القوة الشرائية للناس للكتب المستعملة قائلًا: «زاد الشراء لأن العناوين زادت أيضاً، وأصبح ما كان غير متاح سابقًا متاحًا الآن، حيث كانت هناك كتب ممنوعة أن تدخل إلى ليبيا مثل كتب تاريخ ليبيا أيام الملك أو الكتب الدينية للشيوخ السعوديين إضافة إلى الكتب السياسية، كذلك لأن الكتب رخيصة، فقد يصل سعر الكتاب إلى دينار فقط وهذا دافع جيد للشراء مع نقص السيولة».
وعما يرغب الناس بشرائه أوضح «الكتب التاريخية والسياسية إضافة إلى كتب ومجلات الأطفال، وبعض الذين يرغبون في الربح أصبحوا يقومون بتصوير الكتب المهمة التي عليها الطلب ويقومون ببيعها للناس على أنها كتب أصلية».
وعن من يبيع هذه الكتب قال رابح «كانت بدايتي في بيع الكتب المستعملة عن طريق امرأة جاءت بمجموعة كبيرة من الكتب، وكنت آنذاك أعمل كبائع متجول للملابس أي (نفرش في الميدان ببعض الملابس)، وحين سألت المرأة عن هذه الكتب قالت أبي كان أستاذًا في الجامعة ويحب الكتب والآن توفي وأردت أن أبيع هذه الكتب لأن لا أحد يرغب في الاحتفاظ بها، وبدأت في هذا العمل، حيث وجدت إقبالاً من الناس على شراء هذه الكتب».
وأضاف «أي شخص لم يعد لديه رغبة في الاحتفاظ بالكتب يأتي ويبيعها لي وأنا أشتريها بسعر الجملة وأقوم ببيعها على حسب الطلب».
وعن المعرض المقام حاليًا بمركز وهبي البوري يقول «نعم هناك إقبال فما زالت الرغبة عند الناس في اقتناء الكتب موجودة لأنها رخيصة بسعر دينار واحد فقط».
أما سعد محمد الأوجلي صاحب مكتبة القدس قال: «الناس تحب أن تقرأ وتقبل على كل ما هو جديد من الكتب خصوصًا الكتب التاريخية التي تخص ليبيا قبل فترة 69 التي كانت ممنوعة في العهد السابق إضافة إلى الكتب السياسية، وكذلك كتب الدين خاصة للشيوخ السعوديين أمثال بن عثيمين وابن باز».
وفي ظل نقص السيولة انخفض عدد مبيعات الكتب، ويوضح الأوجلي «انخفضت المبيعات بشكل ما، ولكن على الرغم من زيادة الطلب هناك قلة في العرض لأن الذي كان يحضر الكتب من الدولة سابقًا والتجار أو البائع صاحب المكتبة يأخذ ما هو موجود ولا يطلب كتبًا جديدة يرغب بشرائها الناس».
الكتب المستعملة والاسعار المخفضة
وعن مدى الإقبال على شراء الكتب المستعملة تقول الشابة سهام سعد «أشتري روايات مثل روايات عبير فآخذ مثلاً عشرًا بخمسة دينارات، وأشتري أيضًا بعض الكتب الخاصة بتخصصي في مجال دراستي، بأسعار مخفضة».
أما الشاب محمد علي فوجد في الكتب والصحف في فترة الثورة أهم وسيلة إعلام واطلاع، وزاد شراؤه الكتب خاصة التاريخية، والسياسية للاطلاع على تاريخ ليبيا وسياستها قبل العام 1969، خاصة أن هذه الكتب مستعملة تم بيعها من قبل أناس ربما كانوا يحتفظون بها لفترات طويلة.
ويقول الشاب عبدالعزيز «بدأت القراءة بعد الثورة» ويشتري عبدالعزيز أيضًا الكتب التاريخية وخاصة تلك الكتب المتعلقة بتاريخ برقة و«وفي حال لفت نظري كتاب أو رواية فأشتريها، لأن الروايات المستعملة أقل سعرًا من الرواية الجديدة التي تصل في كثير من الأحيان إلى 50 دينارًا».
أما الشاب عز الدين فأوضح أنه يشتري عادة الكتب الدينية ويدفع مئة دينار ثمنًا لها أحيانًا فهو يحب أن يتعلم من القراءة في هذه الكتب مثل شرح صحيح البخاري أو غيرها من هذه المجلدات.
وتقول زينب «أحب أن أشتري كتب الطبخ ووجدت أن العناوين قلت بعدما زادت في فترة الثورة، لذلك كلما خرجت للسوق لابد أن أشتري منها ولكن لا أبالغ في الشراء».
فيما تقول انتصار التي تبيع بعض الكتب «أبيع بعض الكتب التي لم نعد نحتاج إليها على الرغم من إني أبيعها بثمن قليل، إلا إنني لا أرغب في الاحتفاظ بها ليستفيد منها غيري، وأشتري عادة معظم الكتب التي أحتاج إليها في عملي من هذا المكان».
الاديب لا يبيع كتبه
وعن الكتب المستعملة وبيعها يقول الكاتب محمد الأصفر «لا أستطيع أن أبيع أي كتاب، حتى رواياتي لم أبع أي رواية إلى الآن رغم حاجتي الملحة إلى المال، الكتب التي أشتريها أو تهدى إلىّ لا أبيعها، كل باعة الكتب القديمة في بنغازي سيقولون لك الأصفر يشتري الكتب ولا يبيعها».
وأضاف «أحيانًا أعير كتبًا لأصدقاء وأنساها أو أهديها لهم، لكن بيع الكتب أعتبره خطيئة كبرى وخيانة للكلمة المنقوشة على الورق بعد معاناة، بيع الكتب كبيع الدم كبيع الأبناء، بيع الكتب يقوم به تجار الكلمة أما عشاق الكلمة فلا يبيعون حبيباتهم».
وتابع «الكتب المستعملة دائمًا أشتريها وأقرأها وأحيانًا يكون هذا الكتاب قد مر على قارئ مبدع فأستفيد من ملاحظاته على الهوامش في التعايش مع النص أكثر، والكتاب المستعمل أرى من الضروري أن أشتريه حتى يعيش أكثر، فالكتاب حياة كاملة عاشها المؤلف والقارئ والتاريخ والحياة، ومحلات بيع الكتب القديمة أراها مهمة جدًا ويجب دعمها وهي ظاهرة صحية وحضارية».
أما مناجي بن حليم تقول «لا أبيع الكتب، ولكن أشتري كتبًا مستعملة إذا لم أجد ما أريد بطبعة جديدة في المكتبات خاصة بعض الكتب التي كانت مصادرة وممنوعة من البيع ولها قيمة سواء من الناحية الفنية أو ذات طابع جدلي».
وأضافت «انتشار الظاهرة فيها جانب جيد حيث إنها تتيح للبعض الوصول في بعض المطبوعات التي صارت غير متوافرة ولم يعد طبعها وكذلك انخفاض القيمة المالية تساعد ذوي الدخل المحدود، ولها جانب سيئ أيضًا لأنها بلا رقابة مما يتيح لتسريب بعض الكتب الرديئة في مادتها وأفكارها أولاً، وكذلك قد تسهم في سرقة الكتب من بعض الجهات ذات الطابع الثقافي خاصة في ظل الفوضى القائمة في البلاد لأن البيع دون رقيب ولا حسيب».
ويقول عابدين الشريف «لم أضطر إلى بيع الكتب، ولكن أحب إهداءها إلى المكتبات العامة للجامعات والأكاديمية، وفي بعض معارض الكتب المستعملة يقع بين يدي كتب قيمة وأشتريها، وقد حدث معي أكثر من مرة في مصر وكندا وكذلك في طرابلس بعد الثورة، حيث نظمت تحدى الجمعيات هذا النشاط أي منذ سنتين، وهذه الفكرة جيدة وتساعد في انتشار الثقافة وبعض الكتب القيمة يتم تداولها بهذه الطريقة».
وقال عمر الزاوي «لا أبيع كتبي أبدًا وأشتري كتبًا مستعملة دائمًا، هذه الفكرة منتشرة لكن بين القلائل ويوجد بضع مكتبات فقط تبيع مثل هذه الكتب في ليبيا».