يتراءى شبحا قبل ميلاد الشمس بقليل، يهبط من مكانٍ ما ويختفي بين الأزقة الضيقة يحلّ في الجانب الغربي للمدينة ضيفاً، يذوب في زحمة الأشياء المتراكمة… كانت المدينة تلبس حلة قشيبة، تتغطى بآهات شاهقة وترتعد خوفاً وبرداً، ترتدي قناعاً منسوجاً من سواد الصمت الرهيب لكن الرياح مزجتْ الجد باللعب، كان الوقت مليئاً بالخوف والساعة تئن تحت وطأة انتظار ممل، فجأة يسمع انفجاراً عنيفاً تدوي له أركان المدينة، يرفع القوم نعاسهم، يسقط النوم فوق رؤوسهم ثم يسود صمت رهيب، تتآكل أحلامهم ونذوي، يولي زمنهم إلى غير رجعة.
بين الفينة والفينة تأتي غيمة عاشقة، فيعبث المطر بنواميس الطبيعة ويهطل بجنون عاصف غامر، ما أعمق أن بجن المطر ويتحدث بلغة العابثين، كانت مدينتهم وارفة الأحلام، قبل أن تنام ضمائر قومهم، يضطرب طقسهم، يفقد وطنهم تضاريس الخريطة ويجن مطرهم، يكتب ليلهم آيات طغيانهم ويعلو بطشهم فوق قلق تربة أرضهم الطاهرة.
كانت مدينتهم وارفة قبل أن تلعنهم النخلة، وتتبرأ الزيتونة من نسبها إليهم وتنزح الخروبة بعيدا، يعلو صوت الرصاص في معسكر شهواتهم، يتقدم الموت بعكازه، يطرق أبوابهم، يتخثر الدم في أوديتهم، ترتع الأشباح في الطرقات تتصيدهم و تتمدد قبورهم.