متابعات

معارك اليوم… محاضرة ثقافية

مناسبة ثقافية أخرى تتيحها لنا الجمعية الليبية للآداب والفنون في إطار خطتها الثقافية المتنوعة التي اشتملت على الفعاليات الأدبية والفكرية، حيثُ كان اللقاء يوم الثلاثاء الماضي الموافق للحادي عشر من هذا الشهر مع الأستاذ أمين مازن الذي ألقى محاضرة ثقافية بعنوان “معارك اليوم” بدار حسن الفقيه حسن بالمدينة القديمة بطرابلس.

الكاتب أمين مازن في محاضرته معارك اليوم، والصحفية فتحية الجديدي

الأستاذة فتحية الجديدي هي من وقع عليها الأختيار لإدارة النشاط وتقديم الأستاذ المُحاضر رغم أنه لا يحتاج إلى تعريف كونه علامة بارزة في الثقافة الليبية منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الآن، ولا يتم التطرق إلى الثقافة الليبية إلا ويشار إليه باعتباره أحد أبرز علاماتها مع ثلة من المثقفين الكبار أمثال علي مصطفى المصراتي وعلي صدقي عبدالقادر وخليفة التليسي على سبيل المثال لا الحصر، فالمُحاضر هو الكاتب المتعمق في الشأن الوطني العام والموثق لما مرت به ليبيا من أحداث سياسية واجتماعية بأسلوبه الجاد والمتميز، وهو صاحب القلم القادر على استنطاق الأعمال الأدبية ومحاورتها ونقدها، وله باع طويل في هذا المجال، وهو الأديب والكاتب السيروي بمقالاته الغزيرة وإصداراته المتتالية مثل كتاب أو السيرة الروائية “مسارب” في أجزاءها الثلاثة ورواية “المولد” وكتاب “الشعر شهادة” الذي قرأته مبكرا، وغيرها من الكتب القيمة التي رفد بها المكتبة الثقافية الليبية، وهو إلى ذلك عضو فاعل في رابطة الأدباء والكُتاب الليبيين ورئيسها لسنوات طويلة وصاحب البصمة البارزة في تطوير أدائها وأداء إصداراتها التي تأتي في مقدمتها مجلة الفصول الأربعة، وهو الذي شغل منصب مدير الدار العربية للكتاب واختير نائبا لأتحاد الأدباء والكتاب العرب، وهو أيضا صاحب الذاكرة الحديدية التي تحتفظ بالكثير من المواقف والذكريات، وهو الذي نشر في الكثير من الصحف والمجلات في ليبيا وخارجها وصاحب المدونة الشهيرة “علامات” التي تحولت لاحقا إلى موقع خاص به يضم كل أنتاجه  ومقالاته وما خط قلمه من ابداعات أدبية وفكرية وتوثيقية، وهذا الموقع كان محور حديث الأستاذ أمين مازن الذي عنون محاضرته بـ “معارك اليوم” وهو كما نرى عنوان يكاد يكون  مراوغاً، ففي حين ظن البعض ممن استمعوا للمحاضرة أن المُحاضر سيتحدث عن معارك أدبية سابقة فاجأهم بالحديث عن معاركه الشخصية اليوم أو مجهوداته التي بدلها في سبيل تأسيس موقعه الشخصي في الفضاء الإلكتروني الذي جمع فيه كل ما نشره متفرقا من قبل سواء في الصحف أو في الأنترنت وهو الموقع الذي أسهم وإلى حد بعيد في تدفق عطاءه حتى الساعة وحافظ على نسق تألقه بعد توقف جميع الصحف الورقية في ليبيا تقريبا، ومنحهُ حرية أكبر للتعبير عن ذاته وتمرير أفكاره المُشفرة أحيانا والصريحة أحيانا أخرى دون أن يخضع لأعتبارات التعارض مع توجهات بعض الصحف الورقية التي كتب فيها وغيرها من الأعتبارات التي أسهم الفضاء الإلكتروني في تجاوزها وإلغاءها.

ومن جهة أخرى كانت المحاضرة عبارة عن سرد طويل لرحلة الكاتب في الحياة وتحليل للمشهد الصحفي في بلادنا وتركيز على بعض المحطات المهمة في تاريخه، وكانت هذه المحاضرة والسرد المتصل بمثابة شهادة على مرحلة لم يقُل التاريخ فيها كلمته بعد، شهادة من رجل عاصرها وعاش بعض أحداثها أو كان طرفا فيها.

ولفرط اعتداده بموقعه أو براحه ونافذته على العالم، لجأ المُحاضر إلى لغة الأرقام التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها متى ما نطقت وقالت كلمتها الفصل، حيثُ أثبت بالأرقام الموثقة أن للموقع متتبعين ليس في ليبيا فحسب بل في العالم كله وهذا ما يقوله سجل الزيارات الإلكتروني والتصفح في الموقع، وهو من هذا المنطلق وجه ما يشبه الدعوة للكُتاب والأدباء الليبيين بألا يتهاونوا في إيصال أصواتهم للعالم وإثبات حضورهم في هذا الفضاء الشاسع، وأن خوض غمار الأنترنت والأستفادة من إمكانيات ثورة الأتصالات والمعلوماتية اللا محدودة عمل لابد لهم من أن يقوموا به.

وهنا ينهي الأستاذ أمين مازن رحلة سرده الشيقة التي استمعنا عبرها إلى حكاية مشواره الطويل وتجربته الثرية في المجال الإلكتروني الذي عوضه عن غياب النشر الورقي وعن تعطل عمل هيئة تشجيع الصحافة بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها ليبيا السنوات الأخيرة والأهم من ذلك أنه حفظ إنتاج الكاتب وأتاحه للقراء والباحثين على مدار الساعة وفي كل مكان من العالم ومنحه فائض من الحرية في الكتابة، وهو الشيء الذي يبرر انشغاله الكبير بالموقع واحتفاءه به وحتى حبه له، لأننا لوهلة ونحن نستمع لهذا السرد قد نعتقد أن الأستاذ يتحدث عن شخص محبب إلى قلبه وليس عن مجرد موقع إلكتروني، ويحق للأستاذ الكبير أن يفتخر بموقعه ويكون شغوفا به، لما لا!!، وهو الفضاء الذي يحوي بداخله عصارة فكره وخلاصة جهده وثمرة عمره المديد وكل ما أبدع وأعطى من أدب ومن فكر نير، بل أن هذا الموقع يضم في طياته أشواق الكاتب ولواعجه ودفق مشاعره وذكرياته، يضم كل ما هو جميل، فلا غرابة في أن يتحدث عنه بهذا الحب ويحث الآخرين على اقتحام العالم الإلكتروني وخوض غماره وتجميع إنتاجهم المتراكم والمتفرق حتى يكون لكل مثقف موقعه في الشبكة المنفتحة على العالم.

الأستاذ الدكتور جمعة عتيقة كان أول المتداخلين والمعقبين على المحاضرة عند فتح باب النقاش حيث ركَّزَ على فكرة أن الأستاذ أمين مازن يتعامل مع الواقع بمسئولية وبوعي عميقين رغم الأجواء المحبطة وهو بحسب المُعقب مثابر وجريء واعتبره فقيها من فقهاء الواقع بحسب تعبيره. فيما توجه الكاتب منصور أبوشناف من موقعه كمعقب بالشكر للأستاذ المُحاضر الذي اعتبره أحد أباءه الذين علموه سحر الكلمة وعدّهُ أحد حملة المشاعل في ليبيا منذ الستينيات.

رمضان سليم الكاتب والناقد السينمائي من ناحيته أدلى بشهادة مقتضبة حول الأستاذ أمين مازن تحدث فيها عن تعدد مجالات أهتمامه في الكتابة وتناوله للقضايا السياسية والأجتماعية وتطرق إلى قدرته ومرونته في التعامل مع الأجيال المختلفة ورأى أنهُ صاحب نظرة حقيقية ويمتلك من الحيوية والقدرة على التجدد الشيء الكثير، ولفت انتباه المستمعين إلى أن أمين مازن ناقد كلاسيكي له في مجال النقد إسهامات مشهودة ويتوفر له في هذا الشأن ما لا يتوفر للكثيرين غيره. وأكد المتداخل الرابع وهو الدكتور صلاح الأمير على وطنية أمين مازن وهو الشيء الذي رشحت به مواقفه وكتاباته الغزيرة ومتعددة الرؤى. الأستاذ مفتاح قناو أثنى هو أيضا على عطاء الكاتب أمين مازن وعزز ما ذهب إليه من سبقوه من أن أمين مازن صاحب قلم جريء ودقيق وشاهد مهم على عصر يحتاج لشهادة الكثير ممن عاشوه.

الشاعر جميل حمادة أقر كذلك بأنه تعلم الكثير على يد الأستاذ أمين مازن ونبّهَ إلى دوره المهم في الرفع من أداء رابطة الأدباء والكتاب خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات وكذلك جهوده في تطوير مجلة الفصول الأربعة. أيضا يونس الفنادي الكاتب والإعلامي شكر الأستاذ أمين مازن على كلماته المشجعة التي دفعت به إلى الأمام دوماً وشكره أيضا لأهتمامه واختياره لعدة مقالات كان قد كتبها سابقا ونشرها الأستاذ أمين مازن في موقعه “علامات”، وختم مداخلته بسؤال حول “ما بعد المولد” أو هل هنالك إصدارات جديدة بعد رواية المولد للكاتب أمين مازن.

وتحدث الأستاذ إبراهيم حميدان هو الذي عايش الكاتب أمين مازن وقرأ له وعمل معه في رابطة الأدباء والكتاب، تحدث عما أسماه “التفكير النقدي” وهو الشيء الذي تعلمه من الأستاذ أمين مازن من خلال كتاباته ومن خلال مواقفه الحياتية، واستحضر مقالا لأمين مازن يعزز هذه الفرضية ويبين وجود عنصر التفكير النقدي الذي تحدث عنه إبراهيم حميدان، وهو الملمح الرئيسي في شخصية أمين مازن كما رآه، تحدث بعد ذلك الأستاذ عمار جحيدر عن المثقف العضوي بحسب تعبير الكاتب الإيطالي قرامشي أو المثقف المنخرط كليا في قضايا مجتمعه والمهتم بالشأن العام وهو الأمر الذي رأى أنه ينطبق على الأستاذ أمين مازن وطرح عدة نقاط أخرى مضيئة.

وأدلى بعض الحاضرين بتعقيباتهم وتعليقاتهم سواء على المحاضرة أو على شخصية الأستاذ أمين مازن لناحية أنه علامة بارزة في المشهد الثقافي الليبي المعاصر، وعلى ظاهر التعقيبات وموضوعيتها التي تتجه في الأساس إلى مناقشة ما طُرِحَ في المحاضرة وحوار مع بعض أفكار الأستاذ المُحاضر إلا أنها جاءت في هيئة احتفاء بالكاتب وإقرار بمنجزه الثقافي الذي نأمل نحن بدورنا أن يتواصل ويمتد حتى يصل إلى كل صاحب ثقافة  مستنيرة وفكر حر في كل مكان.

مقالات ذات علاقة

جمعة بوكليب: يمكن للثقافة أن تصلح ما أفسدته الحرب

المشرف العام

انتعاش الصحافة الليبية بعد الثورة

المشرف العام

بيت اسكندر يحتفل بعيد الفطر المبارك

مهند سليمان

اترك تعليق