كان يبحث في كل مكان ، كل الزوايا ، وحتى بين العربات المحترقة والجدران التي تهاوت ووراء أكوام القمامة .
انظمَّ إليه ظله كرجل آخر غادر مهنته الأزلية مرتدياً ما ترتديه الفجيعة وشرع يبحث معه وأحياناً يبادله عبارات الهزيمة والخذلان .
سأله عابرٌ : ما الذي تبحث عنه ؟
قال : أبحث عن ممرٍّ آمن
ضحكَ الظلُّ وهو يجد مذياعاً محطَّماً وتمثالاً على هيئة فيلٍ صغير يرفع رأسه عالياً .
سرعان ما تزايدت أعداد الأشخاص يجوبون الشوارع ويبحثون أيضاً عن ممرٍّ آمن لكنهم لا يعرفون ملامحه .
سألوا الرجلَ : كيف يبدو هذا الممر الآمن ، ربما وجدناه ونحن لا نعرف منظره أو عمره أو شكلَ قوامه ؟!
الرجلُ كذلك لا يعرف شيئاً لكنه سمعَ المذيع يقول بأنه يجب توفير ممر آمن للجميع ، لذلك أرادَ المساهمة بالبحث عن هذا الشيء .
امتلأت الشوارع بالباحثين ، ومن لم يخرج كان يكتشف حنجرته النحاسية تطلق نداءات المساندة : لا تعودوا بأيدٍ فارغة ، ربما كان الممر يختفي وراء شكلٍ آخر لا عهد لنا به .
في الصباح لم تتوقّف الحرب ولم يعد الكثير من الباحثين عن الممر الآمن إلى منازلهم .
ستذكر النشرة أعداد القتلى الأبرياء وستستمر طالبةً توفير ممرٍّ آمن يخرج منه وحده لأن الناس لم تعد قادرة على الخروج .
المنشور السابق
المنشور التالي
الكيلاني عون
الكيلاني عون، من مواليد تونس العام 1959. يكتب الشعر والقصة والرواية والمسرح، إضافة لكونه تشكيليا. نشر نتاجه بالصحف والمجلات المحلية والعربية، والعالمية، إضافة لإقامته ومشاركته معارض فنية داخليا وخارجيا.
قدم للإذاعة مجموعة من البرامج والأعمال الدرامية.
صدر له: الضباب (1982)، الجرح القديم (1984)، أبواب (1987)، الأخطاء (1986)، الخروج من دائرة الحريم (1986)، 9 قصص قصيرة (1983)، وأيضا: لهذا النوم بهيئة صيد، وشائعة الفكاهة.
2 تعليقات
تحية للأديب الكيلاني عون المبدع الذي سك تجربته بحرفية ورصانة له مني كل الشكر والتقدير.
نشكر مثابرتك على متابعة الموقع أخي…