سيرة شخصيات

الشاعر الغنائي يوسف بن صريتي

قد لايعرف الكثيرون من هذا الجيل الشاعر يوسف بن صريتي وغيره من الشعراء الغنائيين والفنانين الذين ينتمون إلى جيل الستينيات من القرن الماضي و كانت لهم بصمة واضحة في تاريخ الأغنية الليبية عبر سنوات مسيرتها .
ويعود السبب في ذلك إلى انقطاع الصلات بين الأجيال المتعاقبة خلال النظام الشمولي البائد الذي كان يعمل على طمس المواهب وتهميش المبدع الحقيقي وفتح المجال أمام المتزلفين والأدعياء .
والمستمع للأغاني الليبية القديمة لابد وأن ذائقته الفنية قد انتقت من أغنيات الزمن الجميل أغنية الفنان الراحل محمد صدقي التي تقول كلماتها ( ظلمتك معايا بعد حبيتيني ) ..

الشاعر يوسف بن صريتي
الشاعر يوسف بن صريتي

ففي هذه الرائعة الغنائية التي تحمل جينات الأصالة للفن الشعبي الليبي تلتقي الكلمة باللحن والأداء حيث كتب كلمات الأغنية الشاعر يوسف بن صريتي ولحنها الفنان الراحل طاهر عمر وأداها المطرب الراحل محمد صدقي بصوته المميز ..
وعلى المستوى الشعبي ثمة أغنيات يرددها الناس في حفلاتهم وأفراحهم دون معرفة كاتب كلماتها ، فعلى سبيل المثال من الأغاني الشائعة في الأفراح أغنية يرددها الفنانون الشعبيون دون أن يعرفوا كاتب كلماتها وهي :
قالوا لنا عالصبر قلنا وينه
نشروه بالدمعة انكان لقينا

الصبر وين ادياره
علينا بعيد وما اصعبه مشواره
وخايفين نرجو وعمرنا يا خسارة
يعدي وما نلقوش صبر يجينا

طال رجانا
ولا الدمع جاب الصبر يوم معانا
قولو لنا ياناس وين مكانه
وامتى نلاقو الصبر ويلاقينا

هذه الأغنية هي أيضا من كلمات الشاعر يوسف بن صريتي الذي أثرى المكتبة الفنية الليبية بالعديد من الأعمال في مجال الشعر الغنائي .
والشاعر الغنائي يوسف بن صريتي من مواليد مدينة بنغازي عام 1947 في عهد الإدارة العسكرية البريطانية وكانت دراسته بالمرحلة الإبتدائية في مدرسة الأمير المعروفة في مدينة بنغازي وقد درس بها الكثير من أبناء المدينة من ذلك الجيل فكان منهم الفنانون والكتاب والرياضيون والمثقفون والأطباء وذوو المناصب الرفيعة في الدولة .
وعن بداية موهبته وتعلقه بالفن يقول الشاعر يوسف بن صريتي :
( كنت أحب مشاهدة الأفلام السينمائية المصرية وكنت حريصا على مطالعة المجلات التي تصل من مصر وسماع الأغاني المختلفة من خلال الإذاعة المسموعة ..
وكنت أحس بميول إلى الفن .. وفي عام 64 / 65 شاركنا أنا وصديقي الفنان ابراهيم فهمي في برنامج ركن الهواة الذي كان يقدمه الفنان الراحل السيد بومدين الشهير بشادي الجبل .. ووجدت أن لدي موهبة كتابة الشعر .
التحقت بعد ذلك للعمل موظفا ببلدية بنغازي وكان الفنان أحمد كامل مسئول القسم الذي أعمل به .. وأذكر أنني كنت معجبا بصوته وأدائه .. وذات مرة في عام 1960 حضرت له حفلة غنايئة بسينما الشرق الواقعة في شارع بن شتوان .. غنى أحمد كامل في تلك الحفلة أغنية يقول مطلعها
معاك ما اخطيت ولا اخطيت معايا .. الفراق امقدر حكم مولايا
كما أذكر أن الفنان الراحل طاهر عمر كان قد شارك في تلك الحفلة ..
في عام 1966 بدأت بكتابة كلمات أقول فيها :
بعد ما الغلا نسيته وهنت أحلامه
راجع تفكر خاطري بأيامه
عرضت هذه الكلمات على الفنان أحمد كامل لإبداء رأيه فيها .. فأخذها معه ووعدني أن يقدمها للإذاعة .. وبالفعل تمت إجازتها ولحنها أحمد كامل وغناها .. وطلب مني أن أكتب له عملا آخر فكتبت له العمل الغنائي الثاني في مسيرتي وتقول كلماته :
صور بدع مولاي في تصويره
محال ما الغالي نلاقي غيره …
تعرفت بعد ذلك على الفنان علي الشعالية وكان يرأس قسم الموسيقى بالإذاعة .. كان يحب استقطاب المواهب .. وهو إنسان متواضع ومحبوب من الناس وأنيق في ملبسه .. وقد كنت سعيدا بلقائي به .. وأذكر أنه لحن أغنية من كلماتي وغناها وهذا شرف لي .. )
ومع بداية مشواره الفني تعرف بن صريتي على الشاعر الغنائي الراحل عبدالسلام زقلام ونشأت بين الإثنين علاقة صداقة وكان زقلام يشجع بن صريتي على كتابة الأغنية وقد نشر له إحدى أعماله الغنائية في الصفحة الفنية التي كان مشرفا عليها بجريدة الشعلة.. وتقول كلمات تلك الأغنية :
ياعيونها .. ياليل صافي في الهوى نحكي له
يا رموشها .. يا سحر خافي ما لقيت مثيله
فيكن لقيت حنان .. ندور عليه زمان
باشواق في ليالي عذاب طويلة ..
كتب بن صريتي كلماته معتمدا على مخزونه من التراث الليبي .. ومثل غيره من الشعراء الغنائيين الذين عاشوا في بيئة المدينة كانت كلماتهم معبرة عن هذه البيئة ..
وفي عام 1971 بدأ أولى محاولاته في تجديد الأعمال التي يكتبها وكان يخشى أن تؤدي هذه المحاولة لعدم قبول المتلقي لهذا النوع المختلف عن الكلمات الشعبية المعتادة فكتب أغنية تقول كلماتها :
فكر قبل تقول نسيتك واسأل قلبك
تقدر تبعد .. تقدر تنسى ماضي حبك
من قبل تحاول نسياني
فكر راجع نفسك ثاني
واسأل قلبك ..
وعبر مسيرة فنية قاربت النصف قرن من الزمان كتب بن صريتي أعمالا تغنى بها كل من :
أحمد كامل ــ محمد نجم ــ محمد مختار ــ علي الشعالية ــ عزالدين محمد ــ محمد الزرقاني ــ سالم زايد ــ محمود الشريف ــ طاهر عمر ــ محمد حسن ــ مصطفى حمزة ــ محمد السليني ــ جلال أحمد الذي غنى من كلمات يوسف بن صريتي و ألحان سيد مكاوي أغنية ( ياعيني عالمحبة ) وغيرهم ..
كما غنى الفنان الشاب جيلاني أولى أعماله من كلمات يوسف بن صريتي وألحان كاظم نديم أغنية تقول كلماتها :

جابوا أصحابي سيرتك من تاني
اشتاق خاطري لقربك بعد نسياني
وغنت أيضا من كلمات يوسف بن صريتي من المطربات العربيات ليلى جمال وشريفة فاضل وعليا ..
ومن أشهر الأغنيات التي كتبها يوسف بن صريتي ورددها جيل الشباب أغنية الفنان الشعبي سيف النصر ( جابك منام الليل ) التي تقول كلماتها :
جابك منــــــام الليل وانا غافي
جدد جروح الموح زاد ريافي
جابك ليا
وجاب شوق م الماضي البعيد عليا
اشتاق خاطري لقربك وموش بايديا
ليام كنت معــــــــــاي عهدك وافي
وزاد حنيني
وزاد شوق في قلبي وسهر عيني
ليام ما بينك زمــــــــــــان وبيني
ضاعت معاك بفرحهـــــا ياجافي
تجاوز عدد الأعمال الغنائية التي كتبها الشاعر الغنائي يوسف بن صريتي للإذاعة المسموعة والمرئية والمسرح والطفل والمسلسلات الدرامية ثلاثمائة عمل غنائي ..
وقد لحن أعمال يوسف بن صريتي مجموعة من الملحنين منهم :
عبدالحميد شادي ــ أحمد كامل ــ طاهر عمر ــ كاظم نديم ــ ابراهيم فهمي ــ صبري الشريف ــ علي الشعالية ــ علي أبوالسعيد ــ عطية شرارة ــ عبدالجليل خالد ــ مسعودة القرش ــ مفتاح الجديد ــ ابراهيم أشرف ــ سليمان بن زبلح وغيرهم .
وإضافة إلى ذلك كتب يوسف بن صريتي العديد من المقالات في الشأن الفني في جريدة الحقيقة والجهاد وقورينا وميادين .. كما شارك في النشاط المسرحي من خلال عمله في مجال الإدارة بالمسرح الشعبي في مدينة بنغازي ..
صدرت للشاعر يوسف بن صريتي أربعة دواوين في الشعر الغنائي بين الأعوام 1974 و 2008 تحت العناوين :
مشوار العذاب ــ دمع الندم ــ حكاية حب ــ ظلمتك معايا
وتم تكريمه من خلال بعض المهرجانات الفنية والمسرحية كما كرمته الجامعة العربية في مهرجان الرواد العرب في مجال الشعر الغنائي عام 2002 بالقاهرة .. وكرمه أيضا مجلس الثقافة العام بمدينة بنغازي .

يوم جديد
كلمات الشاعر يوسف بن صريتي

مع كل طلعة شمس يبدا يوم جديد
واللي مضى ما يعود
وتذبل ورود تموت
وتحيا بعدها ورود
ونبض الحياة ما يموت
لما نهار يفوت
ويبدا نهـــار جديد ……

ترسم خطاوينا الحياة
من غير ما نعرف سبيل
لا عمر امتى يبدا
لاعمر امتى ينتهي
لوين واخذنا السبيل
قطرة في نهر الحياة
أنت وأنا من غير دليل
نجمة وتاهت في السما
في عز ليل
رحلة سفر خطواتنا
اتدور علي غايتنا
ولما ايعدي يوم
نحلم بيوم جديد …..

_____________________

المصدر: مقابلة شخصية مع الشاعر يوسف بن صريتي

مقالات ذات علاقة

قيمةٌ إنسانية .. ومثابرٌ رمزٌ للعطاءِ والإبداع(*)

يونس شعبان الفنادي

في مثل هذا اليوم رحل المطرب الفنان والرياضي سلام قدري

محمد عقيلة العمامي

السيرة الذاتية للكاتب الراحل: كامل عراب

المشرف العام

اترك تعليق