قصة

هـدف أكـيد

من أعمال التشكيلي الليبي صلاح بالحاج
من أعمال التشكيلي الليبي صلاح بالحاج

 

جنونه بكرة القدم فاق حد الوصف كما أن ملاحقته للفريق الذي عشقه وأحبه حد الهوس هو ما ملك عليه فؤاده وكذلك تفكيره واهتمامه حتى أنه لم يعد يهمه في هذه الدنيا سوى ما يحققه هذا الفريق الذي هام به حباً من خوارق حسب تصوره، وكذا ترتيبه في الدوري العام وعدد النقاط المتحصل عليها وما هي الفرق التي سيلتقي بها وتوقيت المباريات وأسماء الحكام المكلفين بإدارتها، حتى صرفه عشقه وهيامه بهذا الفريق عن دراسته والاهتمام بمستقبله، ماكان سبباً في إخفاقه المتكرر في الامتحانات وبالتالي عدم قدرته على الاستمرار في الدراسة، فلم يستمر سوى عامين بعد حصوله على الشهادة الابتدائية ثم توقف ليصبح فيما بعد خارج دائرة اهتمام والديه وإخوته وعائلته ليجدها فرصة للتفرغ الكامل بمتابعة الدوري العام لكرة القدم وأملأ الملاعب أناشيدً وأغاني وأهازيج وكذلك احتجاجات عن قرارات الحكام والمراقبين وإثارة الشغب عقب كل مباراة يخسر فيها فريقه أو يخرج متعادلاً مع هذا الفريق أو ذاك. استمر على هذا الحال حتى اكتشف ذات يوم بأنه قد تقدم في العمر وولى جزء كبير من شبابه بعد أن تجاوز سن الثلاثين بعدة أعوام دون أن يحقق أي هدف من وراء كل هذا الذي أصابه !!!!

مرت الأيام والشهور تجر وراءها السنين وهو لا يحلم بهدف ولا يحمل هماً سوى هذا الفريق وما يحققه من نتائج وما يجمع من نقاط والتي لا تكفي في كثير من الأحيان بوضع هذا الفريق في ترتيب يكفل له الظفر بمركز يؤهله للعب في الأدوار النهائية ماكان يحول بينه وبين الفوز بالكأس الغالية التي كانت بالنسبة إليه هدفا غالياً طالما حلم به.

جاب البلاد طولاً وعرضاً كان متتبعاً أثر فريقه حاملاً للرايات مؤلفاً للأغاني والأهازيج التي كان يرددها مشجعوا فريقه في المدرجات حتى عرفه الصغير والكبير والغني والفقير والعامل والمدير، والذين كان كثيراً ما يلتقي بهم، إما في المباريات أو حتى في أثناء التمارين المهمة في ملعب النادي، والذين لا ينفكون عن إطرائه والإشادة بما يقوم به من أجل الغلالة، ليعود الجميع فيما بعد إما فرحين بالفوز أو غاضبين على النتيجة منصرفين إلى شؤونهم الخاصة سواه!!!

في هذه الأثناء كان أشقاؤه وشقيقاته قد أكملوا دراستهم فتخرج معظمهم من الجامعات والمعاهد العليا وبالتالي تغيرت حياتهم على كل المستويات حيث بدا ذلك واضحاً عليهم من خلال سلوكياتهم ومظاهرهم ما بدأ في دفعه للتفكير في الأمر أو إجراء مقارنات بينه وبينهم فيما يتعلق بحالته التي ظلت كما هي منذ زمن طويل وما أصبحوا هم عليه؟!

كما لاحظ ذلك أيضاً على الكثير من زملائه من أنصار الفريق والذين بدت عليهم مظاهر النعمة وذلك من خلال الأناقة البادية عليهم ونوع سياراتهم الفارهة، وهو الذي أكتشف بعد طول هذه المدة بأنه لم يقتن ولو قميصاً جديداًً لأنه ببساطة شديدة لا يملك شيئاً سوى ما يحفظه من أغان وأهازيج تحكي انتصارات عابرة لفريقه في هذه المباراة أو تلك رغم أنه كان على علم بكل تفاصيل صفقات شراء اللاعبين وبيعهم والتي تصل إلى مئات الآلاف من الدينارات أو الدولارات ما جعله يتوقف ذات لحظة ليسأل نفسه عما جناه هو من وراء كل هذه السنين التي قضاها جرياً خلف كل هذه الأوهام والتي لم يتحقق منها شيئاً على الإطلاق…

تذكر كل هذا وهو يتوقف بسيارته أمام الملعب الرئيسي بعد أن طلب منه الركاب الشبان الذين استأجروه وجاءوا لتشجيع فريقهم الذي سيلعب مباراة مهمة في الدوري العام، لتطفو على وجهه ابتسامة عريضة وهو يتمنى لفريقهم حظاً أوفر، بينما ازدادت ابتسامته اتساعاً عندما وضع ثمن الأجرة في جيبه آملاً أن يعود في آخر النهار إلى بيته محملاً بالهدايا والفاكهة لعروسه التي كانت تنتظر مولودها الأول، وهو يقول في قرارة نفسه، بأن الهدف الذي سجله بنفسه أخيراً هو الهدف الوحيد غير المشكوك في صحته، والذي لا يحتاج إلى نزاهة الحكام أو ميولهم لأي فريق، كما لا يتطلب إثارة الفوضى أو الشغب مثلا.

مقالات ذات علاقة

حلول

حنان يوسف الهوني

موجة حب إلى غرناطة

رضوان أبوشويشة

مارد المصباح

الصديق بودوارة

اترك تعليق