الحرب التي مرت من هنا.. *
منصور العجالي
إن مررت من هنا
استوقفك حزنُ النوارس
حدثتك الجدرانُ المتصدعة
وركامُ الذكريات المتناثر في الطرقات
عن الحرب القبيحة التي مرت من هنا
كيف اغتالت جوقة العصافير في دوح الميادين
كيف فجّرت عرائش الياسمين
وكيف حولت المصاطب المُؤَثّثة بالنكات
وعطر العابرات
الى لحود خاوية من المعاني
كيف كبَّر ذاك الشقي
وأودع الرصاصة في رأس أخيه
كيف صار عشب الكلام الوفير
دما أحمر ..
إن مررت من هنا
حدّثك الليل المهووس
بهذيان الصباح
عن العيون المصلوبة في الشرفات
ترقب عودة الروح
من بلاهة الحرب
الحرب القبيحة التي مرت من هنا
الحرب التي عَطِنت في جُرْنها الأربعون العجاف
شعراؤها الذين كانوا ينفذون الى الشعر من خرم اللغة
صاروا ينبرون الكلمات بالظلال
يضيقون بالحقيقة الوهم
يكرهون كونهم محكمون بالتوازن
التوازن الذي يدفع بالغابة إلى عنق الليل
وبالشعوب إلى عبودية الانتظار..
إن مررت من هنا
استوقفك الصمتُ الغائر في عظام المدينة
حدثتك القِبَابُ العتيقة عن حمام المساجد
ووجوه الأطفال الشاهدة على المذبحة
إن مررت من هنا
حدثتك قَصَباتُ الفتيات الحالمات
عن نضارة الأولاد الذين قضوا في أتون الظلام
عن الحرب القبيحة التي مرت من هنا
كيف غادرتنا من غير أن نشعر بها حين دقت طبولها
تاركة في القلب نارا لا يطفئها ماء
و بردا لا تأكله نار ..
إن مررت من هنا استوقفك الخواء
الخواء الذي وُلِد فيه الصغار كبار
وبكى فيه الكبار بكاء الصغار
الخواء الذي جاء بالقتلة من كل مكان
خواء العقول خواء المدارس والمساجد والحقول
خواء الحرب التي تطايرت فيها أشلاء الأطفال الّلاهين بدمى الموت
خواء البلاد المقبرة الشاسعة التي لم نزل نفتش فيها عن الجثث والملاغم ..
هذه الحرب التي مرت من هنا
لم تكن يوما حربنا
حتى وإن أزاحت النجوم
عن سمائنا
لغّمت أقدامنا
وأسلمت رعبها لأحلام
الأطفال النيام..
هذه الحرب التي مرت من هنا
لم تكن حربنا
حتى وإن جعلت طوابير
الحرب الأكثر بشاعة
تحرمنا خبزها وتلفظنا في الهواء
لا أحد في هذه الحرب
يفتح قلبه
قبل ذراعيه
للقادمين من التيه
هل تفعل أنت؟
هل فعلت؟!
الحرب يا صديقي لم تمر من هنا
الحرب مخرت فينا العظم قبل اللحم .
* النص منشور في صحيفة فبراير بتاريخ 2023/6/26