شعر

من تهاويد الجدِّ المَنْسِيِّ..

من أعمال التشكيلي عادل الفورتيه.
من أعمال التشكيلي عادل الفورتيه.

(قمرٌ أسمرُ ومَهيب

يُضيءُ ويَـخفُتُ

يُضيءُ ويَـخفُتُ

والكوخُ دافئٌ مثلَ جناحِ عُصفور..

.

يُـحبُّ العجوزُ حفيدَتَهُ السُّكرَ

على طريقته..

يعلمها صنعَ الجبنِ المالحِ..

يناديها صغيرتي..

لكنها رأت أنها أطولُ مما كانت عليه فأحبت تأمل جسدِها في المرآة. وأحبت التفرجَ على القمر الأسمر المهيب وهو يغنى لها عن النور الخفيف البعيد خلف العالم المرئي

وعن الغيمات المعجونة من حلوى القُطُن..

.

عشقت البنتُ القمر

أدمنت صوتَهُ العجائِبـِـيَّ يغمرُ غرفَتَها..

دسَّت أغنيَتَهُ في حقيبتها الصغيرة.. ولَـمَّا نام الليلُ هربت معه..

– إلى أين؟ – قال صوتُها وذابَ في الهواء المبلَّلِ بالنَّدى –

– إلى العالمِ البعيدِ حيثُ لا وزن للأشياء – قال الصَّوتُ الخفيفُ –

فتَّشَ الجدُّ طويلا عن صوتها في الهواء. ولَـمَّا تعب الصدى اِتَّكَأَ يذرِفُ الملح على الطريق ومصباحُهُ يُشعُّ الظلامَ.. كانت الْـحُلوةُ حينها قد ابتعدت وتوغَّلت في الاضطراب.. كانت تمشي وتخاف تخاف وتمشي

وتنتشي برائحة معطف القمرِ الجِلديِّ وزيتِ شعرِهِ الذَّكريِّ..

وهو يُغنِّي لها:

(أغمضي كفَّكِ – هكذا غنَّى –

افتحيها

أترينني خطوطًا غائرة في راحتِك؟

أتسمعين صوتَنَا؟

إنهما نحنُ

نُغرِّدُ بصوتِ الياسمين

وننبضُ مثلَ النُّجومِ.)

كانَ صوتُهُ الدَّافئُ مغمورًا بالطمأنينَةِ يُعيدُ لها توازُنَـهَا كلما حجبته ستائرُ السُّحُبِ..

لكنَّهُ في منتصفِ الطريقِ – تمامًا لَـمَّا انتصفتِ الأغنيةُ – تحوَّلَ إلى الغولِ “سمكةٍ مأكولةٍ”..!

جَعلت البنتُ تجري

والغولُ يجري..

هي تجري وهو يجري وكلما اقتربَ ليقضمها بفمِ السَّمكةِ ثنت عجيزتها إلى الأمام فقضمَ الهواءَ المبلَّلَ بالندى. حتَّى تماهت في جوفِ الغابةِ..

.

تلاشت البنتُ في ظُلمةِ الغابةِ العجوز. لن تعرف أبدًا الطريقَ إلى البيتِ! ولن يعرفَ “سَمكة مأكولة” كيفَ يرجِعُ قمرًا!

غاب دفءُ الفِراشِ عنها

غفت صورةُ جسدِها الصغيرِ في المرآةِ..

أمَّا الجدُّ المنسِيُّ

فمُسِخَ قمرًا أسمرَ مهيبًا..

لكنَّهُ لا يُشِعّ غير الظلام…)

.

صَدِّقيني، صغيرتي..

……………

مايو 2011.

مقالات ذات علاقة

القَلْبُ الدَّامِي

صلاح الدين الغزال

عارياً أموت من الضحك

مفتاح البركي

بـــوح

كريمة حسين

اترك تعليق