تقول الحكاية إن زوجها رمى لها بحبل، وطلب منها أن تضحي بأحد طفلين تشبّث كل منهما بإحدى يديها، كي تنجوَ وينجوَ طفلها الآخر. كانت الريح تعوي، وتمتزج بأصوات المستنجدين، وكانت العتمة تلف المشهد، فيما كانت المياه التي تغمرهم باردة تلسع أجسادهم كما أُبرٍ غرزت في المسام. لكنها رفضت، وأصرت على التشبث بكليهما إلى أن هلك ثلاثتهم أمام ناظري أبيهما، بعد أن خلفوا في نفسه حسرة لا تلين.
قال لي جليسي، وهو ينفث دخان سيجارته، “لقد تغلبت غريزة الأمومة عندها على غريزة البقاء” يا إلهي، قلت له، “كيف تحدثك نفسك باختزال ما قامت به هذه الجليلة في غريزة، في عملية فسيولوجية، قد تختبرها حيوانات في أسفل مراتب الوجود. نعم، الغريزة أسهمت بدور في اتخاذها قرارها، لكن غريزتها لم تكن وحدها، بل تشارك معها ذهنها الشارد، ووجدانها المكدود، وعزيمتها الواهنة، وفي النهاية، لعل كلمة الفصل كانت لخشيتها من أن تعيش ما تبقى لها من سنين مع ذكرى تطاردها في صحوها ومنامها؛ ذكرى خذلانها لفلذة كبدٍ تشبث بصدرها” صدَقتَ وايتهيد حين قلت “إن التاريخ الحقيقي لا يُكتب، لأنه ليس في عقول الناس، بل في أفئدتهم وأعصابهم”.