من أعمال التشكيلية الليبية .. مريم العباني
قصة

المطر يسقط في الصحراء

(من قصص الأطفال)

من أعمال التشكيلية الليبية .. مريم العباني
من أعمال التشكيلية الليبية .. مريم العباني

ريح الجنوب يا صغار، ريح حمراء أو صفراء أو سوداء، وريح الجنوب يا صغار، تجيء في الصيف من مسكنها في الصحراء، حارة وجافة ولا تشرب الماء، سريعة وقوية، لا تحب الأشجار فتقتلعها، ولا تحب النبات الأخضر فتحرقه، ولا تحب البيوت فتهدمها، لا تحبها الحقول والمزارع، ولا يحبها الأطفال، لا تحبها الشمس لأنها تغطيها بغبارها، ولا تحبها الطيور لأنها تخرب أعشاشها وتكسر بيضها، ولا تحبها الحيوانات الأليفة لأنها تهدم حظائرها، وريح الجنوب يا صغار، لا تحب فصل الربيع، لأن الربيع يسد عليها الطريق ويمنعها من المرور إلى البيوت وإلى المزارع والحقول، لأن الربيع هو أجمل الفصول وأحلاها، فيه النسيم عليل، وفيه السماء زرقاء صافية، فيه الشمس دافئة والزهور والورود متفتحة، وفيه العصافير سعيدة مغردة، وفيه النعاج تلد حملانها، وفيه الأطفال يخرجون إلى الحدائق يلعبون، فيه كل الكائنات الحية تعيش سعيدة بجمال الربيع وخضرته، لكن في هذا العام يا صغار، جاءت ريح الجنوب في الربيع، جاءت على غفلة والربيع يلبس أزهى حلله ويغني أجمل أغانيه، فاقتلعت الأشجار وخربت بيوت العصافير، ضربت كل شيء كأنها غول مجنون، لكن شجرة زيتون صغيرة وقفت في وجه الريح، ضربتها الريح فلم تسقط، صرخت الريح.. تنحي عن طريقي يا شجرة الزيتون ؟

قالت شجرة الزيتون : لن أتحرك من مكاني، عودي إلى بيتك في الصحراء.

ضحكت الريح وقالت : سأعود إذا جئت أنت معي.

سألتها شجرة الزيتون إلى أين ؟

قالت الريح : إلى الصحراء .. الصحراء الواسعة.

قالت شجرة الزيتون : ولماذا ؟

قالت الريح : لتموتي في الصحراء.

قالت شجرة الزيتون : لن أذهب معك ولن أتحرك من مكاني.

قالت الريح : وأنا سأقتلع كل الأشجار إذا لم تأتي معي.

فكرت شجرة الزيتون كثيراً ثم قالت : أموت أنا ولا تموت الأشجار.

وهكذا، اقتلعت ريح الجنوب شجرة الزيتون الصغيرة وحملتها إلى الصحراء وألقت بها فوق كثبان الرمال.

وهكذا، فرحت الأشجار والطيور والحيوانات، الصغيرة والكبيرة، فرحت لأن الريح ذهبت إلى مسكنها في الصحراء وعاد الربيع، لكنها حزنت أيضاً لأن شجرة الزيتون الصغيرة ستموت في الصحراء ..

في السماء، بكت سحابة ربيع صغيرة، وفي العش بكى طير صغير، ثم رفرف وطار ونادى كل الطيور والعصافير، أما السحابة الصغيرة فسبحت في السماء وذهبت إلى سحابة الشتاء .. قالت لها : يا سحابة الشتاء، ريح الجنوب أخذت شجرة الزيتون الصغيرة لتموت في الصحراء.. أنت فيك ماء كثير، تعالي واسقي شجرة الزيتون ..

وهكذا، جاءت الطيور من غاباتها وحقولها وبساتينها، نزلت عل الأرض وجمعت كل بذور النبات، وجاءت سحابة الشتاء بمائها الغزير، ورحلوا جميعاً إلى الصحراء، وفي الصحراء وجدوا شجرة الزيتون الصغيرة معفرة بالتراب وكثبان الرمال تحيط بها من كل مكان … ألقت الطيور ببذورها وسكبت سحابة الشتاء ماءً غزيراً، وما هو إلا زمن قصير حتى ارتفعت شجرة الزيتون في السماء، وخرج من البذور نباتاً واخضرت الأرض، صارت ربيعا، بكت ريح الجنوب وخرجت من مسكنها في الصحراء، واختفت.. ماتت ريح الجنوب وبقيت شجرة الزيتون.. وصارت كل الأرض ربيعاً.

 

مقالات ذات علاقة

معزوفة الماسورة والماء

محمد العنيزي

ما بين الظهرة وبوستة (اللاي)

عزة المقهور

أحبها هكذا

المشرف العام

اترك تعليق