معتوق البوراوي فنان تشكيلي له لمسته الخاصة، تخرج في كلية الفنون قرجي طرابلس العام 1992 في قسم التصوير الزيتي، ورسالته دائماً تتجه نحو تطور البحث، ومحاولة إيجاد لغة بصرية مشتركة بين الشرق والغرب، ولأن اللوحة التشكيلية، شرقية كانت أم غربية، في تقييمه هي لوحة إنسانية عالمية دائماً تُقرأ من زوايا مختلفة.
نجده يطمح لخلق التوازن بين العالمين في معادلة مؤداها: «العمل الشرقي محبوب في الغرب، والعمل الغربي محبوب في الشرق»، وللوصول لنتيجة مفادها: «إن العمل التشكيلي له علاقة بالحالة الإنسانية المفردة وليس الجمع»، ولعلنا من هنا نفهم أن رسالته رسالة تشكيلية بحتة، كما يقول.
يصنفه النقاد الإسبان، وهو معاصر للحراك الإسباني بحكم دراسته وإقامته، بـ«المنتمي للمدارس التعبيرية منذ القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا»، فيما يصنف نفسه بـ«المنتمي للوحة واللون، للمائيات وللزيت، بعيداً عن التصانيف الأخرى».
ويرى أن الإنسان بفطرته؛ يرسم ويعبر، وفي اعتقاده: «مهما ظهر من حداثة ومن مفهومية في الفنون التشكيلية فاللوحة سوف تبقى وسوف تنتصر».
ودليله كما يعبر: «أن الرسم موجود قبل التاريخ إلى العصر الحديث»، يقصد هنا اللوحة. «اللوحة مهما تجردت وانقسمت لمدارس تظل على علاقة بالإنسانية عامة، ومهما انبثقت مدارس جديدة، ستبقى هي الأقوى، لأن التاريخ أرانا ذلك، ولأنها موجودة منذ زمن موغل في القدم، ولازالت معلقة ولها حضور مهم في المتاحف».
وعن تأثره بالفن الإسباني، قال: «لما بدأت الدراسة في جامعة غرناطة، أسست علاقات جيدة ومتينة مع فنانين إسبان على مستوى كبير، فاشتركت معهم في معارض جماعية كبيرة بالمغرب 2005، ودمشق 2007، وفي بعض الأوقات كنت أنظم معارض فردية. من هنا، فالاحتكاك بالفنانين يعطيك دافعاً للتعرف على ماهية الفنون التشكيلية الإسبانية، ومثلما نعرف الفنون التشكيلية في هذا البلد مهمة جداً، لأنها كونت خارطة التشكيل في العالم، مثلها مثل فرنسا وهولندا، ذلك أثر تأثيراً إيجابياً وكبيراً علي، بالإضافة للدافع الذي قدمه أستاذي، باكو لويس بانكوس، الذي كان يشرف على رسالتي في الدكتوراه، وهو فنان تشكيلي معروف من عائلة تشكيلية لها صيتها. أخوه، وأخته، وأبناء أخيه، وأعمامه، كلهم تشكيليون معروفون».
وتابع: «اهتم بي أستاذي اهتماماً شخصياً، وكان له دور كبير معي، أخذ بيدي وأطلعني على أهم المراحل التشكيلية في بلاده، وذلك ما كان له عميق الأثر علي، والحقيقة بعدما أنهيت مرحلة الدكتوراه، كان دافعاً كبيراً أن أقوم بمعارض، من أهمها معرض (أحلامي في غرناطة)».
أما بخصوص الرسالة التي تطرحها أعماله لـ«الآخر المختلف»، فقال البوراوي: «في الحقيقة كفنان تشكيلي دائماً تعبئتي تتجه نحو تطور البحث، وكفنان تعبيري اتجاهي دائماً يكون في إطار البحث، وذلك بهدف إيجاد لغة بصرية مشتركة بيننا وبين اللغة الأوروبية، خصوصاً أن الفن التشكيلي لغة عامة عالمية. الفن التشكيلي يقرَأ في جميع اللغات ولا يقتصر على دولة معينة، وبالتالي ليس كالشعر الذي هو في العادة يحتاج لترجمة كما العلوم الأخرى. فاللوحة هي لوحة إنسانية عالمية دائماً، سواء كانت في الشرق أو الغرب، تقرأ بزوايا مختلفة، لذلك أحب دائماً إيجاد هذا التوازن، بين الشرق والغرب، العمل الشرقي محبوب في الغرب، والعمل الغربي محبوب في الشرق، نصل لنتيجة مفادها: «إن العمل التشكيلي له علاقة بالحالة الإنسانية المفردة وليس الجمع. من هنا يُفهم أن رسالتي، رسالة تشكيلية بحتة».
ويرى الفنان الليبي أن الدوائر الحكومية دائمًا مغيبة عن التشكيل، وأن التشكيل في ليبيا هو خلاصة مجهود فردي بحث من تشكيليين ضحوا لرفع اسم ليبيا عالياً، عادة، الإعلام أو الثقافة أهملوا هذا الجانب الكبير من التراث الوطني الليبي، فنانون تشكيليون استطاعوا أن يدرسوا في العالم بمجهودات فردية، وهؤلاء التشكيليون بدأوا من دائرة الفنون التشكيلية بطرابلس، وهم دائماً في سجال مع الحكومة بأنها لا بد أن تلتفت لهم وتدعمهم وتكون لهم مكانة، وأحياناً يستفيدون من فترة معينة في وزارة معينة وأحياناً لا ينالون شيئاً.
ويؤمن بأن عدم وجود اهتمام من الدولة بالفن التشكيلي، سواء الآن أو سابقاً جعل الشريحة العامة من الناس في ليبيا غير قادرة على فهم اللوحة، ففي سبعينات القرن الماضي، وبمجهودات فردية من فنانين تشكيليين يجب على التاريخ أن يذكرهم ويكرمهم، مثل دائرة الفنون التشكيلية بطرابلس، التي قادها الفنان الطاهر المغربي بعد عودته من إيطاليا، شكل المنعطف الحقيقي لازدهار الفن التشكيلي في ليبيا.
ورداً على القول إن شخوص وكائنات البوراوي بلا ملامح ومعالمها مطموسة، قال: «هناك معلومة مهمة جداً، أنا لم أرسم موديلات/ بورتريهات، لم أرسم أشخاصاً مهمين سياسيين، ولم أرسم نساء، رسمت الشخص الإنسان، وهذا موضوع إنساني. في تجربة الأفارقة كنت أرسم أفارقة من الواقع، عبارة عن أجسام ليست بملامح معينة، ممكن من الحالة الأفريقية كنت أرسم أجساماً سمراء، وفي الحالة العربية أرسم شخوصاً بيضاء في حالة الموت، في حالة الاحتضار، في حالة القبر، في حالة الصعود للسماء».