المقالة

حكاية قديمة جداً

علي فهمي خشيم

من أعمال الفنان محمد الشريف.

ماتت (أرسينوى) زوجة (بطليموس الثاني) في مصر، كانت ملكة رائعة وشخصية فذة. وارتفعت اعمدة الدخان العملاقة من كوم جنازتها نهاراً، وتوهج لهب النار ليلاً. حتى بلغ بحر (إيجة) وعلى قمة الجبل المسكو بالجليد رأت أختها اعمدة الدخان وألسنة اللهب، صاحت برفيقتها في لهفة وجزع:

إيه يا خاريس

اعتلي قمة الجبل

وانظري من أين تأتي النار

أية مدينة اختفت؟

أية مدينة تحترق

وترسل الوهج؟

إني قلقة..

فلتطيري

فلتحملك الريح الجنوبية الصافية

هل يمكن أن يحدث؟

ان تصاب حبيبتي ليبيا بسوء؟

وحلقت (خاريس) على قمة الجبل الشاهق، وألقت نظرة على جزيرة (فاووس) الشهيرة عند مدخل ميناء الأسكندرية، ثم صاحت من قلب موجع مكلوم:

نعم

الدخان يأتي من المدينة

لكن أتوسل إليك أن لا تنتحبي،

فإن جزيرتك لم تحترق

نعم..

إن المدينة يملؤها العويل

فالناس يبكون شخصا من العظماء

وأينما جلت ببصرك في المدن

رأيتها مجللة يالسواد..

هكذا صور (كاليماخوس) شاعر قورينا الأمجد الموقف الحزين، كان يحب وطنه، كان يعبده، ورغم أن الزمن ألقى به في بلاط ملوك الإسكندرية فهو لم ينسه أبداً. وكان يذكر مغانيه، ملعب صباه ومرتع شبابه، كان يحن غليه ويمجده ولا ينساه حتى في لحظات وصفه لموت ملكة. كان يخشى علي من المحن:

هل يمكن أن يحدث..

أن تصاب حبيبتي ليبيا بسوء؟

وقد تتعالى السنة اللهب من مدن أخرى، وتعلو منها أعمدة الدخان، ويحللها السواد لموت شخص عظيم، أم ليبيا فلن تصاب بسوء أبداً.

قصة قديمة جداً هذه الحكاية.. مضى عليها اكثر من ألف عام!

______________________

– علي فهمي خشيم (مر السحاب)، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان – طرابلس، ط 1، أكتوبر 1984. سلسلة: كتاب الشعب – 82.

مقالات ذات علاقة

من هُموم الحركة الأدبيَّة في عصر القذَّافيِّ

المشرف العام

حكاية لطفل أعرفه في غزة

الصادق النيهوم

تسويق الزيف: (2) اكليل ورد على قبر قاتل

أحمد معيوف

اترك تعليق