سيرة

محاولة القبض على سيرتي الأدبية!؟ (33)

سلامٌ أيتها الحرية …

هل ثمة سؤال يظل عالقا يبحث عن إجابته؟

 لا أدري كيف بدأت كتابة ما أسميتها (محاولة القبض على سيرتي الأدبية.) …ولماذا؟

هل هي الحياة الافتراضية المتاحة لي على صفحة في الفيسبوك، ولكن في هذي الكتابة التي تتابعت صارت الأسئلة تتقافز، ولكن محاولة الإجابة تصطدم بجهل حقيقي أو خوف من الانزلاق في تلك اللحظة الشرسة من الحزن على اهدار العمر في البحث عن معنى لهذي الحياة بدلا عن مغامرة العيش العادي.؟

الشاعرة حواء القمودي
الشاعرة حواء القمودي

هل ثمة اختيار فيما فعلت؟
أم هي ردود أفعال ومحاولة دفاع عن وجود ما؟
ترى لو أني رأيت نفسي بنتا جميلة تتباهى بأنوثتها، هل كان طريق عيشي سيختلف؟
لو أني لم أقرأ رواية (الزنبقة السوداء) في صيف عام 1973 هل كان دربي سيكون مختلفا؟

هل هذه الأسئلة غبية؟ أم هي مجرد محاولة للفت انتباه صديقاتي وأصدقائي لما أكتب؟ (الصديقات والأصدقاء في العالم الافتراضي) ….

إلى أين وصلت في هذه السيرة، حيث الخطوة الكبيرة والقفزة في الهواء التي جعلتني أركل خوفي وأذهب إلى الجامعة (جامعة الفاتح / كلية التربية/ قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية)، هل كانت الخطوة حقيقية أم ركض في حقول الريح.؟

 خريف عام 1987م   وذهابي مع ابنة العم (سميرة) / نتشارك الجد الأكبر الحاج محمد بن الحافي الرقيعي/ ولا أدري حقيقة هذه المعلومة أنه كان (حكمدار أو شيخ المنطقة وأنه طرد الباحث الايطالي الذي كتب (سكان ليبيا) / حزرة على النساء/ والغريب ان هذا الكتاب قد ذكر أسر كل المنطقة التي نسكن بها ولم يذكر اسم عائلتنا والتي كان لها مكانتها بتلك الفترة؟

إذا جاءتني صديقتي بذاك الصباح الخريفي وكان ثمة مطر وبهجة، وأيضا غضب انصبّ على مسمعي بكلمات جارحة من أمي، وأخبرت سميرة بما قالت الأم فنظرت إلى مستغربة وقائلة (وقادرة تمشي على رجليك؟) …

ضحكت وأنا أواصل الطريق وأشعر بتلك البنت التي كانت هنا منذ عشر سنوات تفتح هذا الباب والمطر يتدفق وهي مليئة بالأمل والبهجة تضم لقلبها ملفا به مسوغات كي تسجل في الثانوية؟ وكأنهما معا يدا بيد يذودان عن حلم الصبية، ولكن أشعر الآن أقصد أثناء هذه الكتابة، أنها مجرد ثرثرة أو حشو في الكلام؟ ربما فالأسئلة كثيرة ولأعترف أني متألمة وحزينة (ومكسورة خاطر) ….

إذا هي الثالثة والثلاثون …..

عرفت من السيرة التي نُشرت في (بلد الطيوب) أني اجتزت عقوداً ثلاثة مع قفزتين، وأن الرقم ثلاثة حاضر في هذه القفزة الجديدة.
…….

صمت وصمت، وصمت، لكن روحك البهية ستعرف قلقي عليك وسؤالي عنك، وهاتفك الذي كلما اتصلت أجده مقفلا سيخبرك، لا بأس أيها الغاضب (لالوت) ستظل عصية وأنت ستظل رقما متفردا، وسيظل ذاك الشاب الثائر “أكرم أحمد السيفاو” (أيقونة)…….

صمت وصمت، وصمت وكفى.
…..

للشتاء مذاقه الذي يتجدد، ولا أدري علاقة العشق التي نبتت في روحي وعششت في قلبي، للسحب والغيوم المثقلة والمطر الدافق، لتلك الرعشة اللذيذة التي تلامس جسدي حين تعبره ريح باردة لشتاء يتكلم الدفء ويعانق حنينا مخبئا، وهي “حـواء” ابنة الصيف ولدت في يوم صيفي من شهر يونيو، ولكن مجيء الخريف ثم الشتاء يأخذان لبّ تلك البنت فتغدو خفيفة ومتألقة وضحكتها صادحة.

وهكذا في خريف 1987، أبدأ خطوة باتجاه الجامعة، طالبة جامعية ومثل (بدوية في باريس) ظنت أن هناك زيّا خاصا بالجامعة ربما لأطمئن حنيني  للثانوية والزي الرمادي بقميص أبيض، ضحكت صديقتي (سميرة) وهي تراقب دهشتي، ولم أخبرها حين عودتنا أني كنت انتظر (النشيد الوطني)، امّا الجامعة فقد دخلتها وأنا طالبة في المعهد بالسنة الثانية حين جاءوا بنا في حافلات كبيرة لحضور مهرجان أو احتفال ربما (نسيت المناسبة)، ولكن لم أنس صراخ البنات وهتافهن حين رؤية الشباب الجامعي، بل حتى أن واحدة أغمى عليها حين لوّح أحدهم باتجاه الحافلة المليئة بالبنات اليافعات وعيونهن الشغوفة التي نظرت باتجاههم.

لم أكن طالبة نظامية، فأنا منتسبة، ولكن أرادت أن تعيش تلك الحياة، طالبة جامعية تدخل المحاضرات وتستمع وتناقش و، وتلك الفترة تحديدا كانت الجامعة تعيش (تجربة الجمهرة) وكان طلاب ينتمون للجان الثورية هم من يديرون إدارات الأقسام، والبنت “حـواء” في قسم اللغة العربية، والأستاذ “مسعود غيث  الرقيعي”، أستاذ النحو والصرف، يطلب منا ورقة عمل،  أتذكر أنه طلب منا البحث في كتب التراث عن عبارة عمر بن عبد العزيز لأحد الولاة (قلّ شاكروك وكثر شاكوك، فإما اعتدلت وإما اعتزلت)، وذات مرة ونحن نكتب درساً وجاء بشاهد من الشعر لـ”أبي فراس الحمداني” وسأل: لماذا لم يبرز هذا الشاعر في زمنه رغم شاعريته؟، صمت الجميع وانتبهت لحالة الصمت وكنت فعلا منشغلة بالكتابة ولكن صوتي ارتفع:

– المتنبي يا أستاذ.. كان زمن المتنبي!!

وكانت المطر، وأتعرف على “فدوى منصور” طالبة لبنانية، والتي أهدتني مذكرة بمناسبة العام الجديد وبالصفحة الأولى كتبت إهداء مازلت احتفظ به (وسأبحث عنه)

ومن ذكريات الأستاذ “الرقيعي” في محاضرة حين حكي عن حكاية الإمام “أبوحنيفة”، (والآن يمدّ أبو حنيفة رجله).

السفر في مذكرة …..

مذكرة حواء

غامرت البارحة بنبش الأوراق المتراكمة في ملفات أو المخبئة في كراسات، لأعثر على مذكرة (يبدو أنها كانت لكتابة بعض المحاضرات)، مذكرة تضم كتابة أدبية عن ذكريات عشتها، التأريخ يبدأ من: 31/12/1987، لتستمر الكتابة توثق لأحداث ضاجة، فأن أحضر أصبوحة لـ”مظفر النواب” في (المدرج الأخضر) في يوم الإربعاء: 6/1/1988، احتفاء بالذكرى الأولى لاستشهاد (سليمان خاطر) .

مازلت أذكر صخبي وعدم تصديقي أني سأرى “مظفر” و استمع إليه، ولم أكن أتأفف من ظهوره في التلفزيون الليبي بل أجلس مستمتعة بشعره وإلقائه، وها أنا حقا سوف ألتقيه وأعيش هذه اللحظة حقا، المدرج ممتلئ والشباب الجامعي بناتا وأولادا يملئون الأجواء بالبهجة، تأخر الشاعر عن موعده قرابة ساعة وكانت الهتافات (خاطر خاطر يا شجاع/ شرف الأمة ما ينباع)، ودخل الشاعر وبدأ التصفيق، ولا أدري إلا وتلك البنت حواء راكضة باتجاه الشاعر الذي يحيط به مجموعة شباب ليصعد إلى المنصة، اخترقتهم تلك البنت لترحب بلهفة وتشد على يده وتقبله على الخد (أي والله) ولم تهتم لتلك النظرات الفاغرة والأفواه التي نظرت باتجاهها وهي تصعد إلى حيث كرسيها لتجلس ويبدأ “مظفر النواب”، يقدم اعتذارا لتأخره لأن (نظارته وقعت وانكسر زجاجها) ويواصل قائلا: (لكن الحمد لله لدىّ نظارتي الاحتياطية، ولولاها لظللت اعمى مثل بعض الأنظمة العربية).

ساعتان من الشعر الذي هو “مظفر النواب”، والبنت “حـواء” لم تقدر أن تمسك كفيها الصغيرين عن الارتطام الشديد ببعضهما لتصفق، أحسّت حرارتهما ورأت احمرارهما ولم تتوقف، وسألتقى مظفر النواب مرة أخرى في مدرج كلية العلوم في احتفاء اتحاد طلاب فلسطين بذكرى يوم الأرض في (15/3/88)، وهذه المرة قدمت له كراستي ليوقع.. كتب: (يفرحني كل هذا …. من أجل حياة أفضل للجيل الجديد وتحرير أرضنا كلها.. مظفر) … والمناسبة هي في يوم الأرض (30/3)

وها نحن يا “مظفر” ندخل صفقة القرن، ولا أدري إلى أين تمضي بي هذه الكتابة التي أحاول فيها (كما أدعي) القبض على سيرتي الأدبية.

مقالات ذات علاقة

امرأة خارج العزلة (الجزء الاول)

فاطمة غندور

الشيخ محمود صبحي، نسيج طرابلس

عزة المقهور

الفنان المبدع يوسف خشيم

المشرف العام

اترك تعليق