الطيوب | حاوره: رامز النويصري
ما أن يذكر اسم (الدار العربية للكتاب) حتى تستدعي الذاكرة مجموعة مهمة من الإصدارات المهمة في مختلف صنوف المعرفة، التي ما كانت لولا هذه الدار التي منذ تاريخ إنشائها، سبعينيات القرن الماضي، قامت على نشر كتبة كانت إضافات مهمة للمكتبة الليبية والعربية بشكل عام.
وطوال مسيرتها في مجال النشر، كانت أحد المؤسسات الناجحة في جمع بلدين هما ليبيا وتونس، بفضل إدارتها التي قام عليها أشخاص كان الكتاب شغلهم الشاغل، طوال 50 عاماً من عمر هذه المؤسسة الثقافية العريقة.
في العام 2018م، تعرضت الدار العربية للكتاب، في ليبيا إلى الهدم دون أتجد يداً ترد عنها البلدوزر الذي أطاح بمقرها بمدينة طرابلس، ليضيع معها كل التاريخ وكل الإصدارات لسنوات طويلة من العمل والاجتهاد.
في يوليو 2023م، صدر قرار وزيرة الثقافة والتنمية المعرفية، بتكليف السيد عبدالمنعم اللموشي، بتولي مجلس إدارة الدار العربية للكتاب، ليكون الرئيس الرابع لهذه المؤسسة، التي انطلقت في العام 1973م.
طيوب، تابعت ما يقوم به السيد اللموشي، في محاولة للعودة بهذه المؤسسة الثقافية إلى سابق عهدها، من خلال العمل في أكثر من اتجاه، فكان هذه اللقاء، الذي حاولنا فيه الإحاطة بالوضع الحالي للدار العربية للكتاب، وآفاق المستقبل القريب لهذه الدار.

بداية، بما تشعر وأنت تتولى مسؤولية أحد دور النشر المهمة؟
مهنيا أنا لست غريبا على قطاع الثقافة، بل إني بدأت العمل به في مرحلة مبكرة من عمري حينما التحقت ككاتب وصحفي بجريدة الجماهيرية، وأنا مازلت طالبا في الشهادة الثانوية، مما فتح المجال واسعا أمامي أن اتعرف على مهنة هي الوعاء الجامع والحاضن لكل القامات والقدرات الفكرية والثقافية والأدبية، مهنة مكنتني من التعرف على صناعة وولادة الحرف والكلمة في كل المراحل والخطوات..
أكاديميا أنا متخصص في علم الإدارة العامة منها والخاصة (إدارة الأعمال) ولقد تدرجت في ذلك إلى مستوى الدكتوراه..
أما على المستوى الشخصي فأنا ابن الحاج يوسف إبراهيم اللموشي، الذي مذ وعيت على هذه الدنيا وهو يدير مكتبة الفرجاني سابقا في شارع الوادي، ثم موظفا بذات المكتبة عندما آلت تبعيتها للدار الجماهيرية للنشر، وهو ما أتاح أمامي فرصة مميزة منذ سنوات الدراسة الابتدائية في مدرسة أحمد باشا بسوق المشير أو الربع بالمدينة القديمة، التي تقع على مرمى حجر من المكتبة التي كان يعمل بها أبي رحمه الله حيث كنت أقضي ساعات طويلة في قراءة المجلات والكتب والمطبوعات حتى تلك التي لم تكن تناسب عمري وقتها…
على ضوء هذه الخلفية أستطيع أن أؤكد لك إن إدارة الدار العربية للكتاب، مهمة تجد صداها وجدانيا في قلبي وعقلي وأظنني قادر على تحريكها نحو أغراضها وأهدافها التي أنشئت من أجلها وإلى ما هو أبعد من ذلك حتى.
اسمح لي بهذا السؤال: من أين تستمد هذه الدار قيمتها؟ وأهميتها؟
تأسست الدار العربية للكتاب في منتصف سبعينيات القرن الماضي، مدفوعة برغبة مؤسسيها في كل من ليبيا وتونس أن تكون قاطرة ومصنعا ومنارة للثقافة العربية بكل مفاعيلها حركة ونموا وتطورا..
ولقد أسهمت الدار العربية للكتاب عبر مسيرتها في إيقاد مشاعل ومنارات فكرية وأدبية وعلمية كثيرة اهتدى بها كثيرون صغارا وكبارا وطبقت سمعتها الافاق متجاوزة جغرافيتها الإقليمية لتشمل الوطن العربي كله وما أبعد.
من هنا اكتسبت واكتست واستمدت الدار العربية للكتاب قيمتها وأهميتها.
الآن وأنتم تضطلعون بهذه المهمة، كيف وجدتم الدار العربية للكتاب؟ خاصة بعد ما مرت به مؤخراً!
للأسف الشديد، وبكل حسرة أقول أني لم أجد دارا عربية للكتاب، بل وجدت أطلالا ووجدت بكّائين ونوّاحين عليها، ففي مدينة طرابلس حيث مقرها الرئيس، تم هدم مقرها وتسويته بالتراب عام 2018م، ولم يسمح لموظفيها حتى بإنقاذ أو سحب أرشيفها ووثائقها وملفاتها الإدارية، بل ان عملية الهدم والتجريف طالت مخازن الكتب الخاصة بإصدارات الدار ولم يسمح بنقلها إلى أي مكان.
حساب الدار المصرفي في مصرف الجمهورية خاو ليس فيه دينار ولا درهم، بل إن المصرف رتب التزاما ماليا على الدار لخدمة الحساب فصارت الدار مدينة للمصرف بسبب خدمة حساب خال من أي مبلغ.
حقيقة لم أجد شيئا، وكل ما أحمله معي هو قرار السيدة وزيرة الثقافة بتكليفي رئيسا لمجلس إدارة هذه الدار.
هل للدار حالياً مقر بمدينة طرابلس؟
أيضا للأسف الشديد ليس للدار أي مقر حاليا، لكننا نسعى إلى توفير مقر يمكن أن نباشر منه مهامنا عن طريق مصلحة أملاك الدولة، أو عن طريق وزارة الثقافة وربما نتمكن من ذلك قريبا.
حدثنا عن الصعوبات التي واجهتكم بداية اضطلاعكم بهذه المهمة؟
أهم الصعوبات التي واجهتني مع فريق العمل، من أعضاء مجلس إدارة الدار في ليبيا تمثلت في الآتي:
1. عدم وجود مقر أو مكاتب للدار يمكن أن نباشر من خلاله أو خلالها عملنا.
2. لا وجود لأرشيف ولا ملفات ولا وثائق ولا سجلات (قانونية، ادارية، مالية، إعلامية)، يمكن الاستعانة بها في حلحلة أو التعامل مع المشاكل القائمة.
3. لا وجود لموظفين يتبعون او يعملون في الدار، وموظفيها السابقين إما أحيلوا إلى جهات عمل أخرى أو تقاعدوا أو وافاهم الأجل.
4. لا وجود لمخازن أو مستودعات للكتب، وكل الرصيد السابق من الكتب والإصدارات من منشورات الدار قد ضاع.
5. لا وجود لرصيد مالي للدار في حسابها المصرفي، بل إن حسابها المصرفي الوحيد خامل ومحمل بقيمة سحب على الأحمر تقترب من 1000 دينار.
6. انقطاع العلاقة مع إدارة الفرع الرئيس للدار في تونس، حيث لا تواصل معها ولا معلومة تتعلق بمدير وأعضاء مجلس الإدارة من تونس.
7. مشاكل وصعوبات أخرى يضيق المجال عن الخوض فيها.
إذن، كيف تقيمون الوضع الذي كانت عليه الدار؟
الوضع بائس جدا، وتعيس على كل المستويات، فاقم من سوئه عدم اهتمام الحكومة الليبية بالدار العربية طيلة ال 12 سنة الماضية، وليس هناك من مؤشرات إيجابية يمكن التعويل في إنقاذها من حالة الانهيار سوى سمعتها الطيبة عند جمهور قرائها، ورصيدها من الإصدارات السابقة، وكذلك وجود فرع لها في تونس مازال يحتفظ بكينونته وحضوره رغم أدائه المتواضع وانغماسه في الديون والالتزامات المالية التي تحد من قدرته على العمل.





سؤالي الآن: ما هي الخطط التي وضعتموها للمحاولة بالرجوع بهذه المؤسسة لسابق عهدها؟
الخطط التي رسمناها لكي ننقذ الدار العربية للكتاب من حالتها البائسة تمثلت في جملة من المحاور أهمها:
1. استعادة العلاقة مع فرع الدار في تونس وتفعيل عمله والاستفادة من الإمكانيات المتاحة هناك.
2. استعادة المقر الرئيس للدار في مدينة طرابلس، من خلال اللجوء للقضاء والطعن في الحكم الذي قضى بمصادرة مقر الدار والاستئناف عليه.
3. الاستفادة من مخزون الكتب الموجود في تونس وإعادة تسويقه في ليبيا.
4. مطالبة الحكومة الليبية، بدعم الدار ماليا وفق ما هو منصوص عليه في اتفاقية تأسيسها.
5. إبرام عقد شراكة مع إحدى المطابع المحلية من أجل الشروع في طباعة بعض الكتب الصادرة عن الدار ونفذت من السوق، وهناك طلب ملح عليها، وكذلك العمل على التعاقد مع وزارة التعليم من أجل طباعة الكتاب المدرسي.
6. العمل على مراجعة وتطوير القانون والنظام الأساسي للدار واللوائح المنظمة للعمل بها بما يتناسب والتطورات والتطلعات والتقنيات الحديثة في عالم صناعة الكتاب وتسويقه وعرضه.
وهل تم تنفيذ أي من هذه الخطوات خطوات؟
نعم قطعنا أشواطا مهمة خلال الثلاث الأشهر الماضية في كل الخطط التي ذكرناها آنفا.
متى تتوقعون عودة الدار العربية للكتاب لنشاطها؟ وهل ستعاود نشاطها في مجال النشر؟
نحتاج الى 6 أشهر قادمة بإذن الله تعالى لكي تتمكن الدار من استعادة بريقها ونشاطها وتمضي قدما إلى أبعد مما وصلت اليه سابقا.
في واقع يتحول للرقمية، هل هناك من برامج لتطوير عمل الدار للدخول مجال النشر الرقمي؟
هناك مشروع دراسة أكاديمية متكامل وآليات عملية تتعلق بالإصدارات الإلكترونية والمنصات الرقمية والتسويق الشبكي والأرشفة الالكترونية، عرضت علينا ستساهم في إحداث نقلة نوعية في شكل ومحتوى عمل الدار العربية للكتاب.. ونحن بصدد مناقشة ودراسة هذا المشروع والنظر في امكانيات العمل به.
هل لديك رسالة؟ ما هي ولمن توجهها؟
العمل الثقافي لا يقل أهمية وضرورة وخطورة عن أي نشاط اقتصادي أو خدمي أو أمني يحتاجه المجتمع، بل إن العمل الثقافي ومفاعيله هي الأرضية والبنية الأساسية التي يتحرك عليها المجتمع نحو بناء حياته وصياغة مستقبله وتشييد عمائره.. وإن الفشل أو الإهمال أو الضمور الذي يصيب العمل الثقافي بكل أنواعه سيجعل كل مشاريع وبرامج الدولة في مهب الريح وينتهي بها كعصف مأكول.
اهتموا بالثقافة أكثر، من أجل عودة الحياة..
هذه هي رسالتي أوجهها للحكومة ولكل مؤسسات الدولة.
كلمة أخيرة….
الدار العربية للكتاب مؤسسة ثقافية، هي إنجاز مهم، تبعث على الفخر لكل ليبي وليبية، استطاعت أن تصمد لنصف قرن في زمن الطغيان المادي والتصحر الفكري، ومازالت تقاوم لكي لا تنتهي أثرا بعد عين..
نريدها أن تنمو وتزدهر وتتمدد عربيا ودوليا، منارة للعلم والثقافة، واشعاعا حضاريا يعكس حقيقة وعظمة هذه الأمة التي اتخذت من المحيط الى الخليج مرتكزا لها، وأطلت على العالم بأنوارها الساطعة حين كان يغرق في عصور ظلامه.
2 تعليقات
مرحبا
الدار العربية للكتاب تاريخ طويل من النشر الذي أضاف الكثير للمكتبة الليبية، صعب علينا نحن من تربينا ثقافيا على منشوراتها رؤيتها على هذا الوضع، وهذا الحال.
نثمن جهود الأستاذ عبدالمنعم اللموشي ونتمنى له التوفيق في هذه المهمة الصعبة!
نشكر مرورك الكريم