الطيوب :حاوره / مهنّد سليمان
قرأنا بشغف باذخ الكثير عن الأسفار وتجارب الترحال المستمر لمجموعة من الكتاب والمشاهير بدءًا من الرحال الأشهر ابن بطوطة وصولا للكاتب الراحل أنيس منصور يُدونون مشاهداتهم ويسجلون إنطباعاتهم مُبرزين أهم المعالم وأجمل الأمكنة من بلاد العالم، هو تيه وتوهان في دنيا الله مُحمَّل بروح شاهقة وأقدام وثابة تتطلع للإكتشاف فالترحال سير مفتوح على صراط المعرفة وهو يختلف عن كلاسيكيات السفر التقليدي مثلما يقول ضيفنا في هذا اللقاء الرحال “طاهر علي الطاهر” خرّيج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة طرابلس الذي نسافر بمعيّته نحو أفق لا حدود له ونُطل على العالم من خلال نافذته الوضاءة، هو رحال بوهيمي يحرص على مشاركة أصدقائه ومتابيعه على منصات ومواقع التواصل الاجتماعي فيديوهاته وصوره عن كل بلد يمر به وعن كل مدينة تطأها قدميه، واضعا حقيبته على كتفيه مطلقا العنان لصوت خطوات قدره، ونحاول عبر استضافته في هذه الفسحة أن نقترب من مفردات عالمه وخصوصية تجربته.
بداية أخبرنا من أين جاءت فكرة ان تكون رحال ؟
فكرة أن تكون رحالا هي جزء من سيرتي الذاتية أنتجتها العديد من التراكمات والمحطات التي توقف عندها الزمن بمساحة من الذهول، وأذكر أني أسميت ليبيا (بلد العجائب) أثناء لقاء على إحدى الإذاعات المسموعة، والسبب أننا نضع علامة تعجب حول كل شيء تقريبا، وعبر سقف طموح عالٍ لازلت أحاول البحث عن ذاتي.
واسمح لي في هذا المقام أن أعرّفك بنفسي، اسمي الطاهر علي الطاهر من سكان مدينة طرابلس وتعود أصولي الأولى لمدينة ترهونة، خرجت من ليبيا منذ سنوات طويلة حوالي 14 عاما، ظللت لفترة 9 سنوات أعاني دون أوراق ثبوتية أو رسمية، وقبل أن أكونني اليوم مررت بمراحل صقلتني فيها الأيام والمحن، وحينما أعرّف من أنا أجدني أقول بأن لكل إنسان حكاية ومن لدن حكايته يروي قصة لذلك مررت في حياتي بالكثير من القصص في تجربة الترحال، فقصة الشاب الطموح الذي ولد وترعرع في ليبيا وفرّ باحثا عن وطن يجد ذاته فيه ويؤسس لهُويّة يحقق بها كيانه رغم الاشتياق المستمر لوطنه الأم لتبدأ الحكاية مع السائح تسلح بالكاميرا إلى الرحال الذي لم يتوقف عن الابتسامة ليصير كل شيء جميل وبراق بين ناظريه، وكل ما سبق ذلك ذهول كبير جراء واقعه الحقيقي، ولعل تقلبات الحياة المختلفة أنتجت إنسانا لم يعد يخيفه شبح الوحدة قط، إنسان تخطى مخاوفه من المجهول وهواجسه من الغد حين أدرك أن لكل شيء نهاية وأن النهاية هي بداية إشراق جديد، لأستيقظ كل يوم متسلحا بالإبتسامة ماضيا نحو بداية جديدة، لقد تعلمت ألا ترعبني النهايات فهي بمثابة بلوغ الذروة لقصة جميلة علينا التسامح معها لذا أتقنت حب النهاية وحب الغد المجهول لدرجة أني أشتاق إليه قبل مجيئه، علمني السفر أن يكون الغرباء أهلي وجزء أصيل من مشاعري وعواطفي رغم يقيني أني راحل عنهم، إن الأمل والإبتسام وعدم الخوف من المجهول مؤكد شكلا عاملين جوهريين فصنعا رجلا قويا صاحب شغف حقيقي.
هل إقامتك الدائمة في أوروبا شجعتك على توثيق رحلاتك ؟
بسبب أسفاري وكثرة تنقلاتي لفترة طويلة إرتأيت تسجيل وتدوين أبرز وأهم اللحظات التي أمر بها وتمر بي، وفكرة الترحال جاءتني وأنا بعد في ليبيا وحضوري الكبير على وسائط التواصل الاجتماعي يرجع لأفراد عائلتي حيث بادروا بتقديمي للجمهور والمتابعين فأنشأوا لي صفحات تحمل اسمي على هذه المنصات الاجتماعية، علما بأنني لست ممن يستهويهم ارتياد هذه المنصات والمواقع فأنا لازلت من محبي قراءة الكتب الورقية، وطريقة توثيق رحلاتي نصحني بها بعض الأصدقاء الأوروبيين بواسطة تدوين إنطباعاتي ومشاهداتي وجمعها بين دفتيّ كتاب، ويُعينني في ذلك الأصدقاء لاسيما فيما يخص التدقيق والتصحيح اللغوي ومتوقع صدور الكتاب مع أوائل العام المقبل.
كيف تستثمر المنافع التي اكتسبتها خلال سفرك ؟
لكل سفرة (حداقة) كما نقول بلهجتنا الليبية، ولاشك أن الرحال تعرض للكثير من المنزلقات والأخطاء والمواقف التي يتعلم منها، ففي بداياتي مغامرتي كنت متوجسا بشكل أو بآخر وهذا أمر طبيعي، أما اليوم فلم أعد ذاك المتحفظ المتوجس ولا ألقى أية غضاضة في أن أقضي ليلة كاملة بمفردي في خيمة السفاري وسط منطقة برية مثلا.
حدثنا عن الصعوبات والمشاكل التي يواجهها الرحال ؟
بالنسبة للصعوبات والمشاق هنالك على سبيل المثال شعوب ومجتمعات لا يتقبلون بسهولة فكرة رحال يجول بحقيبته وخيمته، وآخرون يرفضون الرحال وتثيرهم أهدافه ربما فماتزال بعض المجتمعات يقيمون الزائر من منطلق عِرقي وديني، لذلك تواجهني أحيانا صعوبة التجول في بعض المناطق.
كيف تتعامل مع الثقافات المختلفة هناك؟
خلال المرحلة الأولى من سفري لم يكن بحوزتي أوراق رسمية كما ذكرت آنفا وهو ما نمّي بداخلي شعور الفقد وبالتالي في هذه المرحلة أضطررت كالإسفنجة لإمتصاص واستيعاب كل ما أجده وألقاه أمامي وأتعاطي معه على نحو ما من سلوكيات وأفكار الآخر على قاعدة دع نفسك مثل الكأس الفارغ، وهذا المران أكسبني القدرة على التعامل بأريحية مع الأوروبيين ما ساعدني على تجنب التورط في فخ الأحكام النمطية والمسبقة، وتقبل الآخر كإنسان أولا وأخيرا.
ما الفرق بين اليوتيوبر والرحال ؟
الفرق بينهما كبير فاليوتيوبر يرتب لعمله ويُعد لما يود القيام مسبقا على نحو يماثل البرامج الوثائقية وأحيانا يتعاون في عمله مع فريق منظم، أما الرحال فهو ما أن يضع حقيبته على ظهره حتى يطلق لخطواته العنان دونما تنسيق أو ترتيب، وفيما بخصني أنا لا أستخدم الطائرة بصورة دائمة، وطوال أيام ترحالي عبر المدن والعواصم الأوروبية كنت أبيت في الخيمة خاصتي ولا أستخدم وسائل المواصلات مطلقا، ولكوني أنام في الشوارع ولا أصرف الكثير من المال فميزانية الرحال محدودة، والمقتنيات الثمينة كأدوات التصوير وما إلى ذلك تجلب المشاكل للرحال إذا قضى الرحال لياليه في الغابات مثلا، لنفهم أن حياة الرحال أقرب للهيبي يستمتع ويُقبل على الحياة بملء جوارحه.
هل تأثرت بتجربة رحال معين قرأت له؟
ممن تأثرت بهم الرحال العربي الشهير “ابن بطوطة” وهو أحد الرحالة اللذين كان لهم دور في نمو شغفي بالسفر، وأفادني كتاب (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) لكن الفكرة نمت وكبرت بالممارسة والتجربة الحية.
هل يشعر الرحال بالاغتراب ؟
الترحال خيار شخصي بخلاف السفر التقليدي، وبذا نجد بأن الرحال هيأ نفسه سلفا من كافة الجوانب فكريا ومعنويا للتسامح مع فكرة أنه ليس بغريب وبمرور الزمن يصبح السفر وكثرة التنقل بالنسبة للرحال أسلوب حياة ثابت، وبالتالي يتحصن من تسرب مشاعر الغربة لنفسه، كما إن الرحال يستبدل مشاعر الغربة بالإندهاش والتعجب لكل جديد يصادفه.
حتى الآن تقتصر رحلاتك داخل نطاق القارة العجوز هل ثمة خطط جديدة للتوسع؟
بحكم أني لم أتعامل مع منصات التواصل الاجتماعي إلا مؤخرا لم أوثق لكل رحلاتي فمثلا خلال العام المنصرم ذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وبسبب تعرضي للسرقة ضاعت الكثير من الصور والفيديوهات التي حرصت على تسجيلها، وفي المقابل زرت دول آسيوية بالإضافة لزيارة بعض الدول الإفريقية، وهذه الزيارات ربما لم تكن بشغف السائح رغم وفرة الأماكن الجذابة فيها إنما أجزاء من أمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية وأوروبا أسرت لبي.
كلمة أخيرة :
أخيرا أقول إن السفر ليس مجرد تغيير للموقع الجغرافي بقدر ماهو سعي حثيث ومكثف للإكتشاف والإندماج مع ثقافة الشعوب وحضاراتها وكيفية استقاء قيم جميلة من هذه الثقافات، ويستطيع الرحال وسط كل هذا التنوع والتناغم المحافظة على ثقافتك وهويتك الأم، ختاما أشكركم على هذا اللقاء الجميل.