سهير يونس
رأيتك البارحة ضعيفاً محبطاً لأن “أصدقائك” تعمَّدوا تجاهلك برغم كل ما قمت به لأجلهم وأجل إرضائهم.
يا بُني.. لا تقع في فخ إرضاء الآخرين لأنك ستضطرُّ في كل مرَّة على التخلي عن جزءٍ منك.
يا صغيري.. ستصل إلى مرحلةٍ في حياتك -وأرجو ألَّا تصلها متأخِّراً- تدركُ فيها أن كل الجهود التي قمت بها من أجل إرضاء الآخرين كانت مضيعة لوقتك.
أتمنى أن تَكبُر وأنت على معرفةٍ -تامة- كيف تكون أنت، لا نسخةً من غيرك، ألا تعيش منتظِراً من يُعجب بك ويثْنِي عليك، أتمنى أن تفعل ما يُسعدُك دائماً ضارباً برأي الناس أسفل قدميك.
خذها منِّي.. ستكون أفضل عندما تتوقف عن التفكير بمن سيكون معك ومن تغيَّر عليك.
لا تشغل بالك بماذا قيل عنك ولا برأيِ أحدٍ فيك، حياتُك بهم ومن غيرهم مستمرة، ولن تموت عندما يبتعد عنك أحدٌ أو يتجاهلك.
لست الوحيد الذي يتعرَّض للرفض في هذه الحياة، ساعد نفسك ولا تتسوَّل اهتمام أحد.
يا ولدي.. لن يتمَّ حفظ مقعدٍ لك على كل طاولة، ولن يكون اسمك مكتوباً على كل دعوة، ولن يتم إدراجك على قائمة المفضَّلين في كل جلسة؛ هذه حقيقةٌ في الحياة، كلما أدركتها مبكِّراً كانت حياتك أفضل.
لا ألومك، ربما كنت مثلَك عندما كنت في مثل سنِّك وعندما تقدَّمتُ في العمر أدركتُ حقيقة أنَّني لم أُخلَق للجميع، فــتقبَّلتُ كونِي لا أستطيع التوافق والتَّكيُّف مع كلِّ قالب ولستُ عامًّا حتى أستطيع أن أتناسب مع أذواق الجميع.
اسمعني جيداً.. أنت لست مُضطرًّا إلى إجبار نفسك على المُثول في أماكن لم يتم إنشاؤها من أجلك ولست مُضطرًّا أيضاً إلى مطاردة الناس والتوسُّل إليهم لــــيَرَونَك.
يتعلق الأمر بمعرفة نفسك ومعرفة الأشخاص المناسبون لك، حتى وإن كان شخصاً واحِداً فقط، ذاك الشخص الذي يوفِّر لك مقعداً حتى وإن ظهرتَ في أكثر حالاتك فوضويَّة.
يا بني.. تعالَ على رغبتك في أن تكون مرغوباً واحرص على أن تكون عزيز الجِنابِ مأمون الجَانِب، وإن أردت القوَّة والعِزَّة فعلِّق قلبك بالله -بالله وحده- وأخرج منه ما سواه من حظوظ الدنيا، فما ظنُّك بقلبٍ يستمدُّ قوته من رب الأرض والسماء!! حاشاهُ أن يُهزَم أو يَضعُف؛ يقول “الشافعي” -رحمه الله- : إنك لن تستطيع أن تُرضِي جميع الخلق، فـــاصلح ما بينك وبين الله في شأنِك كله ثم لا تبالي بالناس.
لتعلم أنك ستخوض تجاربك وحدك وستفعل المستحيل من أجل أن تُنجِز عملك على أتم وجه دون أن يشعر بذلك أحد أو حتى يمدحُك عليه، وإن أخطأت ربع خطأ اجتمعَت الأُمة على لومك وعتابك.
يا ولدي.. لا أحد يهتم بالأمور الجيِّدة طالما هي كذلك، فلا تحرم نفسك من الشخص الوحيد الذي يُصفِّق لك دائماً، أَلَا وهو أنت.
كن صديقاً لنفسك واحنُ عليها لأنك لن تجد من يفعل ذلك غيرك.
ما أتمنَّاه يا عزيزي هو أن تعيش سعيداً متصالحاً مع نفسك، مُحبًّا للغير وفعل الخير، لا تنتظر من أحدٍ جزاءً ولا شُكورَا، كل ما أتمنَّاه أن تعرف طريقك وتبصره وتسلكه غير هيَّابٍ ولا وجَل، أتمنَّى أن تعيش حياةً حرَّة مُحرَّرة من أسر الشهوات، أتمنَّى أن تعيشَ حريَّةً في قلبك سقفها السماء.
إيَّاك يا ولدي والتفاهة وأن يجذبك أجوف المعنى هزيل المبنى، إيَّاك والفراغ وأن تألَف الراحة فتترُك الميدان لغيرك خوفاً وضعفاً، إيَّاك والخوض في سفاسف الأمور وانتبه أن تضع نفسك في موضع استخفاف بل اسْتِخلاف، فليس هذا وقت خضوع ولا تفاهة وفراغ، بل زمنُ إعدادٍ وإمداد.
كن بخيرٍ ما استطعت واحذر أن يُطفِئ أحداً شمعتَك.
