طيوب النص

وحكايات اخرى للغروب (2)

(1)

انسان متعب..

يتجول فوق الارصفه.. اقدامه واهنه.. ويذرع الابعاد متعبا.

عيناه مطفاْتان..

عيناه لاتريان شيئا..

فى الظهيره وفى الضحى وفى الليل.

يموت فى الحياة.

لايدرى مايقول.. مايفعل.

صمته مطبق.. صمته كبير كغابه ثلجيه بامتداد العالم..

يحرق لفافاته فى ساْم. صمته مطبق.

وهو انسان متعب..

واهن الخطى..

يدور..

يدور. يتنفس بصعوبه.

لايحلم..

لايسمع موسيقى.

لايشم زهره.

لايعشق عينين..

لاْن عيونه مطفاْه.

وصمته يا اصدقاء مطبق.

مااسخف الصمت المطبق..

مااْلعن الصمت المطبق..

والمطبق.. المطبق.

هو لايرتجى شيئا..

لايتطلع الى شىْ..

ولايحلم..

وصمته المطبق ليس يفهم..

وهو متعب.. متعب..

توقف فجاْة.. ولج الى المقهى..

من راْى الصمت..

من راْه.. ؟ !

….

(2)

فراغ.

لاشىْ غير الفراغ..

وعيون الاصدقاء تبدو مطفاْه..

يعيشون اْيامهم فى ضجر..

ياْكلون بعضهم مثل قنافذ..

ويلعنون المدينه.

يلهبون ظهرها بسياط من كلمات العار والحقد..

ولايدرون بالضبط لم يحدث ذلك.

انها فى تصورهم كقطة جائعه تاْكل ابناءها..

او تلفظهم بازدراء.

فراغ..

دائما هذا الفراغ.

(الانسان ضائع وسط المدينه بلا هدف.. مفجوع بانسانيته فيها)..

يقولون ذلك ويمضون يعيشون فى فراغ..

ويلعنون المدينه.

كساد.

مجارى.

عجاج.

ماعندك وين تمشى.

الى غير هذا من صفات.

ويزقزقون مقاعدهم فى ملل عبر المقاهى..

ويبحثون عن شىْ ما اخر الليل..

وتحتويهم المرابيع الضيقه..

ويلعنون المدينه.

يعملون فى مصالحهم برتابه وينطلقون فى رحلاتهم فى الداخل والخارج..

ويلعنون المدينه.

هكذا هم.

هكذا هم ابدا مثل قنافذ.

ليس ثمة تغيير.

وتظل المدينه تحتويهم كل يوم صباحا ومساء..

وتراهم كل يوم..

وتتحمل لعناتهم كل يوم..

وتبقى عيونهم مطفاْه تريان الى المدينه من اقصاها الى اقصاها بطريقة اخرى.

لعنات فقط.

لعنات على مد العين…

وفراغ موحش. دائما هذا الفراغ!!

(3)

فى مثل هذه الايام من كل عام تغطى الوحشة اركان البيت. ثمة فراغ قاحل.. فى الامكنه.. فى الزوايا.. فى الابواب.. فى رائحة الاكل.. الوحشه والفقد. يساْل الطفل امه.. وين باتى؟ كل مره تحاول ان تجد اجابه.. توا يجى ياوليدى.. قريب.. هنا.. توا يجى ماتخافش. تعرف انها تضطر الى الكذب. تنزوى بمفردها.. وتبكى.. تبكى بحرقه. وين باتى.. يرتفع الاذان. تعد مائدة الافطار. يقترب العيد. وباته ليس موجودا. وين باتى.. ياامى؟ دائما ينهض السؤال ويرتفع.. يغطى زوايا البيت.. تزداد الوحشه.. ويزداد الحزن. العويله لخرين كل واحد باته قاعد.. وين باتى ؟ يظل السؤال بلا جواب.. تحير.. لاتدرى ماتقول. باتك.. غادى بعيد.. عند الله.. ابلغت الاسره فى البدايه باْنه مفقود.. ولاشىْ اخر. مكانه ليس معروفا. جهته غير معلومه.. لااحد يجزم باْنه ميت او حى.. والطفل يتساءل بلا انقطاع والوحشه والفقد يلفان البيت. انه هناك ياوليدى.. عند الله.. اجره كبير. ويطرق الولد راْسه.. لايفهم معنى الكلام.. بكره تكبر.. وتعرف ياوليدى. الوحشه.. فى مثل هذه الايام تشتعل وتكبر. كان قد فقد فى رمضان.

(4)

وللمقاهى فى بنغازى تاريخ.. تنوعت وشكلت نسيجا من الحكايات والاسرار واللقاءات والاسمار. ثمة احصائيه ذكرت باْن عددها فاق الثلاثمائه فى القسمين العربى والايطالى من المدينه فى الثلاثنيات من القرن العشرين. كانت المقاهى جزء من المدينه.. وكانت شاهدا على تاريخها.. وتاريخ رجالها.. كنت تجد فى المقهى.. السحلب والقهوه العربيه والشاى والعصائر.. كان الجمر وكان الوجاق.. وكانت الحكايا تنطلق بلا توقف مع ارتفاع الابخره وتضوع الرائحه.. ثم تطورت المقاهى وقدمت الكابتشينو والاكسبرس.. واخيرا المكياطه.. مقهى العرودى والامبريالى والتجارى وبن شتوان وفكتوريا ودمشق وسبورت والعاشق والطرابلسى وبن غشير ونجمى والحداده.. ثم بن غزى وبغداد فى البركه.. ومقاه اخرى عديده. هل تذكرون الفردوس؟ انه يطل من بينها جميعا بتاريخه وحكاياته ومقصوراته الخمس.. كان فى مقره القديم بجوار الجامعه (عمارة كانون الان).. شهد احتفالات عقود القران والاحتفالات ومحاضرات دكتور محمد عبدالهادى بوريده على طلبته فى قسم الفلسفه. كان ينزوى بعددهم القليل فى احدى المقصورات ويحاضرهم عن الفلسفه والفلاسفه وعلم الكلام.. كان البعض يلعب الطاوله (الزهر)وتنطلق الحكايات مع القهوه والشاى.. وسى محمد معتوق النادل الاسمر.. وصاحب الفردوس الحاج اهويدى بالروين.. وكان ايضا مطعما يقدم الماْكولات ويهىْ البرامج المنظمه لضيوف بنغازى. كنت ترى الى الكورنيش من نوافذه.. كان البحر من هناك جميلا حتى فى لحظات مده الصاخب. كانت بنغازى تجتمع فى الفردوس.. وتحكى وتبوح باسرارها. وفى ليالى رمضان كان للفردوس عبق خاص.. وسحر خاص.. كانت المشروبات الغازيه.. البرتيلو والاناناس والبيضه وغيرها تاْتى من معمل زمزم الكائن بالفويهات القديمه حيث عيادة المستقبل الان. كان صاحب المعمل ايضا هو صاحب الفردوس. اهل بنغازى هم الذين بنوها بعد دمار الحرب.. كان هناك حماس للعطاء والبذل.. النجارون وعمال الطلاء والبناء واصحاب المهن الفنيه والمقاهى.. والحرف..كلهم بنوا مدينتهم رغم الفقر والامكانيات البسيطه.

كان الفردوس.. وكانت بنغازى!!

(5)

منذ اْيام.. مرت الذكرى العشرون لوفاة رشاد الهونى. كان رشاد رجلا يرتفع فوق الاحقاد.. كان لايهتم بالصغائر. كان شاعرا وقاصا وكاتب مقالة وصحفيا من الطراز الاول.. (اْين منه بعض العويله الان!!). عام 1964 فى بابه الاسبوعى اعتاد نشر بعض نتاجه الشعرى الجميل. احدهم تناوله بالنقد وجانبه الصواب. بذكاء كبير رد رشاد فى مربع صغير اسفل الصفحه.. (طلب منى الكثير من الاصدقاء الرد بهذا البيت.. لو ان كل كلب عوى اْلقمته حجرا.. لاْضحى الحجر مثقالا بدينار. لكننى لم اْشاْ)…… !!!

(6)

ارتفعت شمس الضحى.. وتوهجت.

نبتت اقاح..وشقائق نعمان فى السهوب

زغردت نسوه..

تبسم اطفال.. وانطلقوا يلعبون

حكى العجائز عن التاريخ فوق الارصفه

ازداد توهج الشمس مع توهج التاريخ..

خفق العلم فى روعه..

احتضنت الارض جسد الشهيد..

بقعة دمه.. كبرت.. كبرت..

توهج التاريخ..

صارت بقعة الدم.. اجيالا تصنع الحريه..

تبنى الوطن..

(7)

الجدار..

كتبتها فى 1975.10.23. ولم تنشر من قبل..

ياصديق..

الجدار ليس فيه ثغره

ليس فيه نور..

فتطلع ذات مره

وتملى اى نظره

وتحرك فى الطريق

ياصديق..

دعنا نمض..

نحو الشمس.. دعنا نمض

دعنا نعبر..

فلعل ياصديق

تبزغ م الضوء قطره

نزرع فى الظلام بذره

تتوهج..

وامام الغير تكبر..

ثم تنضج..

تبقى فكره..

وتكسر الجدار..

وتكسر الجدار !!

……

مقالات ذات علاقة

آخر القول

الشريف بوغزيل

صابرون

خالد مصطفى كامل سلطان

يخبرني عن الكيتش

ميسون صالح

اترك تعليق