من أعمال التشكيلية الليبية .. مريم العباني
طيوب النص

أصدقاؤنا … المستعارون ..

من أعمال التشكيلي الليبية .. مريم العباني
من أعمال التشكيلي الليبية .. مريم العباني

هم أصدقاؤنا أو صديقاتنا في عالمٍ افتراضيٍّ رحيبٍ ندخله بمحض إرادتنا .. نفتح فيه نوافذ للصداقة المفترضة .. قد يلج منها إلينا من نعرفهم .. ومن لا نعرفهم .. وعلى خانة ( حسن النيَّة ) غالبًا ما نقبل صداقة من يطلب صداقتنا دون طلب شهادة ( حسن السِّيرة والسُّلوك ) ، فلا نقف طويلاً عند الأسماء أو الصفات أو الوظائف أو البلد أو المدينة .. نكتفي بالاسم أو الصورة أو الصورة الرمزيَّة .. وقد تكون كل هذه مستعارةً ..و(حسن السلوك ) كثير الانقلاب على (حسن النيَّة ) ، فكثيرًا ما نتفاجأ برياحٍ غير صحيَّة تدلف إلينا من نافذة الصداقة المفترضة .. نافذة حسن النِّيَّةِ ، فثمَّة من يطلب صداقتك للإساءة إليك .. بعضهم يصادقك بنيَّة الاختراق ، لسلب الموَّاد المحفوظة في جهازك .. إبداعك وكتاباتك وصوروك الخاصة .. وبعضهم يعرض عليك صداقته بنيَّة الإساءة بطرائق وأساليب أخرى .. بعضهم يبتغي صداقتك فقط لمجرَّد أن يضافَ لقائمة أصدقائِهِ أسماءُ أعلامٍ ومشاهيرَ .. وبعضهم يطلب الشهرة لنفسِهِ بانتشارِ اسمهِ مقترنًا بعددٍ كبيرٍ من الأصدقاء .. أو بوضعه مع أسماء معروفة بنيَّة أن يكون مثلهم ( اللِّي يجاور المساعيد يسعد ) ، وبعضٌ آخر ليقحمَ نفسَهُ في تعليقاتٍ على منشوراتٍ لا تمتُّ لها بصلةِ وعيٍ .. فقط من أجل أن يضع ( شلايكه مع شلايك الخطَّار ) كأنَّ المنشورَ معرضًا بائسًا لأحذيةٍ باليةٍ انتعلتها عقولٌ جرداءُ..

( والخطَّار ) الضُّيوفُ الطَّارئونَ ، هم في حدِّ ذاتهم أصدقاءُ افتراضيُّون .. مستعارونَ ..!!

*****

أصدقاؤنا المستعارون .. يفتحونَ في أعماقنا ألفَ نافذةٍ للتساؤل: لماذا هم مستعارون ..؟! ولماذا يستعيرونَ..!؟

لِمَ لا يبقونَ أصولاً لا مستعارينَ ..!؟

أهو الخجل من أسمائهم ..؟ أم اختفاءٌ خلفَ أَكَمَةِ الاستعارةِ المريبةِ المربكةِ ، وهي التي وراءَها ما وراءها..!؟

*****

بعض ( المستعاراتِ ) ذكورٌ استعاروا أسماءً وصفاتٍ وهيئاتٍ ووجوهَ إناثٍ .. !! أهو سعيٌ منهم لتجميل قبحٍ فيهم فاستعاروا له دلَّ الأنثى ورقَّتَها وجمال حضورِها ..!؟

أم هو هروبٌ من دور ذكورٍ لم يأنسوا في نفوسِهم جدارةَ الارتقاءِ إليه .. والتربُّعَ على علوُّهِ المهيبِ …!؟

أمَّا بعض ( المستعارين ) فإناثٌ تقمَّصنَ أدوارَ الذكرانِ .. أسماءً وصورًا وخشونةً وتصرُّفاتٍ .. أهو تطلُّعٌ للعبِ ذاتِ الدَّورِ الذُّكوريِّ ..؟ أهو ضيقٌ بواقعٍ اجتماعيٍّ معيَّنٍ .. !؟ أم هي الجينَاتُ تنقلبُ عكسًا إلى ضدِّها .. أي تنقلبُ على نفسِهَا ..!؟

******

أراني الآن ، وأراك مثلي ، نقف على نافذة الصَّداقة الافتراضيَّة حاملين غربالاً دقيق العيون لتنقية عالمنا الافتراضيِّ من كثيرٍ منَ المستعارينَ المسيئينَ إلينا ، وإليهم أوَّلاً ، وإلى عالمنا الافتراضيِّ الذي يفترض أن نجعلَهُ نقيًّا .. سيقترحُ علينا البؤسُ القادِمُ من تلكم النَّوافذِ قهرًا وإزعاجًا ، أن نسدَّ النَّوافذَ ذاتَها اهتداءً بمثلنا الشعبيِّ التربويِّ ( الباب اللِّي يجبلك في الريح .. سِدَّه واستريح ..) ، أيُّ بابٍ هذا ، وأي ريحٍ تقتحمنا من خلالِهِ..!؟

*****

يمكننا أن نعذرَ ( مستعارةً ) في مجتمعٍ شرقيٍّ ذكوريِّ الفكرِ والسيطرَةِ ، أحاديِّ النَّظرَةِ ، على التَّخلِّي عن اسمها الحقيقيِّ ، واللجوء لـ ( المستعار ) تجنُّبًا للحرج الاجتماعيِّ ، والعسف الذكوريِّ ، وتربُّصِ المارقينَ بها كيدًا أو إيذاءً ، أو محاولةً للإيقاعِ بها بطرائقَ شتَّى شديدةِ الوقاحةِ ..!!

لكن كيفَ نعذرُ ذكرًا تنازلَ عن اسمِهِ الحقيقيِّ ..!؟

أهي الخشيَةِ منَ المواجهة مع الآخر مهما كان جنسه .. أم هو الجهل ..؟ أما ماذا ..!؟

لماذا يتسلَّلُ أصدقاؤنا من النافذة إلينا مثلَ لصٍّ .. يدلفونَ لعالمنا من نافذة الاستعارة .. ويتركون باب الأصل .. الأصل الباب ..!؟

*****

كيف يمكنني وأنا المهووس باللغة ، المفتون بها ، أن أضيفَ من يكتب اسمه خطأً ..!؟

ماذا سأفعل بصداقتهِ .. وأيُّ إضافةٍ سيضيفها بصداقته لي ..!؟ ياللهولِ ؛ مستعارٌ ومخطئٌ .. !!؟

******

للمرَّة العاشرة أصل لـ ( 5000 ) صديق ، 80% منهم افتراضيُّونَ ، أي لا أعرفهم في الواقع ، ثمَّ أعود للمنخل ، للغربالِ أنقِّي به وجهَ الصداقة .. وَأُرَمِّمُ عالمَها الافتراضيَّ .. فيسقط منهم عددٌ ، ولا يمرُّ يومانِ حتى تعودَ الخمسة آلاف للتمام والكمال مجدَّدًا .. وهذا يسبِّبُ لي إحراجًا آخرَ مع أسماءٍ أودُّ إضافتها كبعض الأصدقاء منَ المبدعين العرب .. لكنِّي أخجل من ردِّ من يطلب صداقتي .. !

*****

بربِّكم قولوا لي كيف يمكننا أن نقبلَ مستعارين بألقاب مفزعة ( الهكر .. صائد الأرواح ، القاتل العنيد .. الرصاصة الأخيرة …. ) وما في حكمها ، هي ألقاب مستعارة بشعة .. توحي بالعداء السافر .. فضلاً عن استعارات ( هبلة ) إلى أبعد مدى ، يعتقد أصحابها وصاحباتها أنهم يتميَّزون بها ، وهم في الحقيقية يثبتون نظريَّة الليبيِّين الموروثة والمؤكَّد صدقها ، وصلاحيَّاتها ( الهبال ما يتوارش ) أي أن الهبل لا يمكن مواراته .. !!

ولا أنكرَ أنَّ بعض الاستعارات الاسميَّة كالاستعارات البلاغيَّة تمامًا فيها ذوقٌ ورقَّة وجمالٌ ..

*******

صديقٌ افتراضيٌّ لا أعرفه .. لا يُعَلِّقُ أبدًا على ما أكتبُ .. ولربما لا يعنيهِ ما أكتبُ مطلقًا .. لكنَّه معنيٌّ – أبدًا – باقتراحِ الحِسَانِ عليَّ .. لا يمرُّ يومٌ إلا واقترح عليَّ أربعَ أو خمسَ إناثٍ .. يقول طلب الصداقة المرفق: (بينكم فلان صديق مشترك) .. كم مرَّة أحاول أن أقفل نافذتي دونه فاستحي .. وأتركه يمارسُ هوايتَهُ البائسَةَ .. مرضَهَ الاجتماعيَّ المكينَ .. فهذهِ كلُّهَا دروسٌ وتجاربُ لنا .. !!

*****

صديقٌ افتراضيٌّ قالَ لي إنَّ له ستَّةَ أسماءٍ مستعارَةٍ .. كلها بأسماءِ إناثٍ .. أي أَنَّهُ مستعيرٌ لسَتِ إناثٍ .. مستعارٌ لهنَّ .. ويعلِّلُ صنيعَهُ ذاكَ بالسَّعي لإيقاعِ شخصيَّاتٍ مهمَّةٍ في ( حبِّهِ ) الافتراضيِّ .. من خلال مشاكستهم على الخاصِّ غزلاً وتذلُّلاً .. يالشناعَةِ والفَضَاعَةِ والبشاعَةِ .. والصِّيَاعَةِ ..!!

******

يبقى أن أقول لأصدقائنا المستعارين: أنتم أحرارٌ في اختيار أسمائكم وألقابكم وصفاتكم وبروفايلاتكم .. لكن لاحظوا أنكم تقترحونها على الآخر .. هي كملابسكم تمامًا .. ونحن – أيضًا – أحرارٌ في عدم قبولكم .. ذلك لتطاول حرِّيَّاتكم على حرِّيَّاتنا .. وكلٌّ حرٌّ فيما يفعله ..!؟

مقالات ذات علاقة

أهـواك وجـدا

سعاد الورفلي

Leptis Magna : لبدة الكبرى

عبدالسلام سنان

قمح المنافي

المشرف العام

اترك تعليق