كانت الزلة تستفيق بكل جرأة لتكسر الجرة، وكان الصديقان يحاولان أن يبعدا الجرة عن نقاشهما، ولكن هيهات.
-غضبت مني يا صديق العمر وهذا من حقك كآدمي!
ينفعل فتصدر منه كلمة عتاب فيها شرارة عنف يعتذر منها مباشرة أما أن يصل الأمر إلى أن تتحول هذه الكلمة إلى سكين طاعنة حين تُذكِّرني بأمر سبَّب لي عقدة أسعى للشفاء منها فهذه جريمة لا تُحتمل
-“لا أدري كيف تحولتُ إلى كائن متوحش مستغلاً معرفتي بمصابك، وحين هدأتُ ندمتْ كل ذرة في داخلي ولم تتسع جدران قلبي لحزني، إنها لحظة انفعال، إنها لحظة ضعف”
-“كنت أظن أن كل الجرار التي بيننا يمكن أن تكسر إلا جرة واحدة جرة الإيثار بين الصديقين قد تكسر وجرة الحلم بين الصديقين قد تكسر وغيرهما من الجرار التي لا تؤثر على الصداقة ولكن لم أكن مقتنعاً أن جرة واحدة يمكن أن تكسر بين الصديقين جرة تتماسك فيها روابط الإخاء أمام المحن”
-“لم تكسر”
-“بلى كسرت ولم تشعر أنت بها أنا الذي سالت دماؤها على وجهي وقلبي وتطاولت لتخنقني وأنت لم تشعر بشيء”
وانتهى الأمر بين الصديقين؛ صديق نادم والآخر مظلوم يسحقه الأسى. ومشى المسحوق غارقاً بدماء جرتهما المكسورة وكان هناك من يسعى لجمع شتاتها وإعادة تركيبها. قال الذي انغرس السهم في قلبه:
-“هيهات؛ هل تستطيع الطيور في السماء أن تسمع كلمة صديقي العنيفة و لا تسقط و ما شأن الينابيع ؟ لعلها تتوقف عن تدفقها و الأزهار تذبل أمام الزائرين و كذلك الأشجار تسقط أوراقها قبل أوانها ، أشعر أن النجوم ستعتذر عن إنارة ليل المسافرين و أن الأطفال سيتوقفون عن اللعب و ينامون مبكراً ، فلماذا لم يشعر صديقي بقبح كلمته قبل نطقها؟”
سخرت الكائنات من هذيان الصديق المكلوم وتناوبت على إقناعه بنسيان ذاته الموغلة في الشعور بالانكسار. وكانت المصارحة قاسية و لكنَّ الجرة بدأت جروحها تلتئم.