أنيس البرعصي
أنت الآن بين الأنبياء والملائكة، لقد قالوا لنا ذلك.
ومن حسن الحظ أنهم لم يدفنوا نظارتك معك لترى أين نحن
اليوم.. يوم استشهادك حسب التقويم الغريغوري
وليس في مدينتنا نصب تذكاري أو تمثال لك مع فرسك
لنقف أمامه لدقيقة حداد،
أو نشير إليه بسباباتنا حينما نمر بالقرب منه مع أطفالنا لنعيد ولادتك فيهم..
لكنهم شاهدوك في التلفاز
وعلى الأوراق النقدية التي لم نعد نقبضها..
التي لولاها لحولك المؤرخون المتطرفون إلى شبح أسطوري.
لقد فاتك الكثير..
لقد جعلوا من الخونة والوشاة رفاق سلاح في نفس خندقك، وأصبحت ليبيا مزرعة كبيرة لأولادهم، وصفق ورثتها لقاتليك،
وتبين أنهم ليسوا أسوأ منهم..
فمدوا بلدانهم بخطوط الغاز – من تحت مقابر رفاقك- ليشغلوا الميكرويف والرانشيلو وبقية الأدوات الكهربائية وتركونا نقبع في الظلام كالخفافيش..
لا أقصد الإساءة والسخرية
لكن هل تعرف الكهرباء …؟
لا أعرف بالضبط إن كانت ثمة أسلاك ومقابس في الجنة أو في خيمتك،
لكنه سحر علمي، رئة ثالثة، يعتمد عليه الكوكب في تسيير الحياة والحرب وعجلة الزمن
كما تعتمد على فرسك الأصيلة..
وهذا السحر لم نحضره بالطبع أو نكتشفه..
لأننا لم نتغير كثيرا مذ رحيلك لم نخترع شيئا وما زلنا نقاتل..
نقاتل بعضنا على ظواهر صوتيه وأسباب جينيه وعلى أسباب سخيفة جدا
لو عاد بك الزمن لما قدمت نفسك
من أجلها ولا من أجلنا،
وعلى الأحرى ستدير ذيل فرسك لبهلوانات نيرون وتشهر بندقيتك العجوز صوب جماجمنا نحن.
الأحفاد الذين تجشمت الويلات حتى لا تباد سلالتهم
لم يخيبوا ظنك..
خرجوا في أفواج صوب موطن غرتسياني وموسوليني
خرجوا على متن قوارب وداخل حاويات الشحن
ليناموا في مشارح الجامعات الطبية
ويعمل من نجى منهم
في غسل الصحون.