دراسات

مفردات سريانية في العاميّة الليبية (6/ 8)

ع. المحجوب

مفردات سريانية في العاميّة الليبية (الصورة: عن الشبكة)

﴿عيط

عَيَّطْ: بكى، صاحَ، ويرتبط العياط في العاميّة بالبكاء، ولكن هذا المعني لا يرد في الفصحى؛ التاج: «عَيَّطَ: مدَّ صوته بالصّراخ، وهو مجاز. قلت: ومنه قول العامّة: عيّطْ بفلان، بمعنى: نادِهِ. والتَّــعَيُّطُ: غضبُ الرّجل واختلاطه»، و«العياط: الصّراخ والزّعْقَة»، و«رجل عيّاط: صيّاح»، ويتطابق معنى الكلمة الفصيح مع ما يرد في القواميس السريانية، وإن كان صاحب البقايا الآرامية يضيف إليه البكاء: «عَيَّط: رفع صوته بانفعال وغضب وبكى. نساء لحي يعيّرن إحداهن بمناداتها يا عايطا ܥܰܝܛܐ أو ܥܰܝܛܬܐ [عايطة] أيتها المليئة بالغضب والمشحونة الموتورة، ويسأل واحد الآخر: لماذا عم تعيّط؟ لماذا تمتلئ بالغضب والانفعال؟ ܥܰܝܛܐ عايطا، و ܥܰܝܛܰܐ عياطا». 

﴿غبق

غْبَقْ: إذا انتشر الدخان، أو الرائحة، في مكانٍ ما، والمكانُ غَابِقْ ومَغْبوقْ ومْغَبَّقْ أي مملوء دخاناً أو رائحةً، وليس من هذا المعنى شيءٌ في الفصحى «غبق»، بل هو في «عبق»؛ اللسان: «عَبِقَت الرائحة في الشيء: بقيت، وعَبِق الشي بقلبي: كذلك على المثل»، وفي التاج: «عبِقَ به الطّيب: لزِق به وبقي»، و«عبِقَ بالمكان: إذا أقام به»، على أننا نجد للعاميّة شبهاً بالغين في البقايا الآرامية، لعله أصل لفظها، يقول: «غبق، غبوق، مغبِّق: هو الغبار الذي يتصاعد في الأجواء ويحجز الرؤيا، قلنا فيه الغبقا، وهي كلمة سوريّة من ܐܰܒܩܐ [أبقا] قلبت ألفها إلى الغين لسهولة اللفظ، والصفة منه غبوق ومغبق».

﴿غرف

مَغْرَفْ، مَغَرْفَةْ: مِغْرَفَةٌ، وهي من خشب عادةً، وكلّ ما يُغرف به؛ من الغرْف؛ اللسان: «غَرَفَ الماء والمرق ونحوهما يَغْرُفُه واغْتَرَفَه واغْتَرَفَ منه، وغَرَفتُ الماء بيدي غَرْفاً»، والأصل السريانية ܡܰܓ̥ܪܰܦ̥ܬܳܐ (مغروفْتَ): ملعقة كبيرة.

﴿غشم﴾

غْشيْم: أحمق، لا يدرك، لا يحسن التصرّف، غْشَمْ وغْشامَةْ: خرق، جهل، حمق، عدم مهارة، غلاظة عقل؛ اللسان: «الغَشْمُ: الظُّلم والغصب»، إلا أن أقرب ما يدلّ على المعنى العاميّ هو قوله في وصف الغاشم والغشوم «الأَصل فيه من غَشْم الحاطب، وهو أن يحتطب ليلاً فيقطع كل ما قدر عليه بلا نظر ولا فكر»،وهذا القول في معجم الصواب هو الأساس في تثبيت معنى: جاهل بالأمور، ولفظ «غشيم» قديمٌ يشاكل لفظ «جسيم»؛ جاء في الآثار الآرامية: «غشيم: الأبله الجاهل، وقاصر، وهي صفة ذم في معرض المدح تقال في إنسان له من البدانة والجسم المليء ما لم يدع مجالاً لناظره بأنه يشكو من شيء ما، ولكنه للأسف أبله وقاصر عقلاً، فهي الغشيم ܓܫܝܡ أي صاحب الجسم الممتلئ والعقل الخالي»، فلفظ جشيم ܓܫܝܼܡܵܐ (گشيم) في القاموس السرياني هو الجسيم الكتيل، وغشيم ܓ݂ܲܫܝܼܡܵܐ (بتليين الگومل، وتُنطق غين) هو الغشيم الأحمق. وگشيمُ، گشيمَ ܓܫܝ̣ܡܳܐ في قاموس الألفاظ السريانية: «جسميٌّ، مركَّبٌ، ماديّ؛ غَشيم – غشيم ما بيعرف شي».

﴿فرج﴾

فرُّوج: ديكٌ، ج. فْراريجْ. اللسان: «الفَرُّوجُ: الفتيّ من ولد الدّجاج، والضّمّ فيه لغةٌ، وفَرُّوجة الدُّجاجة تُجمع فَراريجَ»، وهي كذلك في السريانية؛ البقايا الآرامية: «فرُّوج ܦܪܘܓܐ، أو فاروجا: هو ابن الدجاج، ولدى إرجاعه إلى فعله المجرد يتّضح معنا كلام جزيل وكثير، فمجرّده ܦܪܓ فراغ، وهي كالعربية فرجَ وأفسحَ: فرّجَ عن فلان الألم والهم والغم»، ويضيف: «الكلمتان أو الفعلان بالأحرى، فرج وفرغ، هما واحدٌ في الأصل الآرامي».

﴿فرشخ﴾

فَرْشَخْ: صار في سَعَة ودَعَة، وهو مجازٌ والأصل:جلسَ ومدّ رجليه،. ومثلها فَرْشَكْ، والتْفِرْشِيخْ الحالُ، وفَرْشَخْ أيضاً: هنأ وكان في سعة من أمره. فصيحٌ من الفَرْشَخَة أي السَّعَة، أو من الفرسخ أي الرَّاحة أو الفُرجة والتباعد بين شيئين،. وقد عُدت الفرشخة من الغريب، قال الزبيدي في التاج: «الفَرْشَخَةُ: السَّعَةُ، هذه المادة ساقطة من اللسان وغيره من كتب الغريب، وإنما ذكروا معانيها في المهملة». وهي في البقايا الآرامية: «فرشخ: أبعد ساقيه واحداً عن الآخر»، ويقول: «يعود مجرده بحذف الراء إلى فعل ܦܫܚ [فشخ]: فصل أبعد وغادر وارتحل». قلت: قد يكون المجرّد فعل ܦܪܫ أي «فرش»، ويعني الفصل والمباعدة بين شيئين، إذا لا تُشترط المغادرةُ في «فرشخ»، بل مدّ الرجلين والمباعدة بينهما، كما أن ܦܲܪܫ تعني فرْش الأرض أو البلاط ببساطٍ أو سجّادة. وبحذف الراء، كما في العامية السورية: مفاشخ ومفاخج أي متباعد الساقين، وهي العامية الليبية مْفَحِّجْ.  

﴿فرعن﴾

فَرْعَنْ، تْفَرْعَن: طغى، تكبّر؛ استطال وكبر (للنبات والإنسان)، مشتقّ من فرعون، وعلى ذلك الاشتقاق السرياني؛ البقايا الآرامية: «فَرْعَنْ: صار قويّاً بعد أن طالت عليه مدة الذلّ والضعف، أراها متأتية من ܦܪܥܘܢ فرعون: أي أصبح جباراً قوياً مثل فرعون». 

﴿فركس

فَرْكَسْ: أربكَ وشتَّت فعطَّل الجدوى، تقال للأشياء والآراء؛ قد نعود بها إلى الرَّكْس، أي قَلْب الشيء رأساً على عقب، أو ردُّ أوّله إلى آخره، أو إلى كرفس، على القلب، وتَـكَرْفَسَ الرّجل: دخل بعضه في بعض، كأنه تقرفص، ونعثر على الكلمة بلفظها ومعناها في البقايا الآرامية: «فركس: أبطل وعطَّل مفعول فعل ما؛ فلان ذهب ليفركس خطبة فلان وفلانة، وفركس الاجتماع، والمعنى الصريح من فعل ܦܪܟܣ فركس التبذيرُ والتبديدُ، وتشتتٌ في الآراء، والبذور، أي معناها المجازي والحقيقي. فإذا ما أجمع اثنان على رأي ما أتى ثالث وفرق وبدّد الرأي».

﴿فسع

فِيسَعْ: توّاً، حالاً، بسرعة، الآن؛ درجنا على عدّها نحتاً من «في السّاعة»، ولعلها اشتقاق من السريانية ܦܣܥ فْساعْ، أي مشى أو رفعه رجله ليمشي، كأن فيسع هي تحرَّكْ، مدّ رجلك.

﴿فش

فَشّْ غُلَّه: نفَّسَ عن غضبه وخفَّف من كربه، كأن الإنسان ينتفخ غيظاً ثم ينفشُّ انتفاخه وتهدأ نفسه. البقايا الآرامية: «فشَّ: هي ذات الكلمة والفعل ܢܦܫ [نفش] العربية منها نفش. لم تلفظ نفش ܢܦܫ [بل فَشْ]، أولاً: لسكون النون، ثانياً: لأن النون عند وقوعها في أول المجرّد لا تلفظ إلا عند صوغ الفعل المزيد منه، وهذه ليست بقاعدة ولكنها جلّما تسقط عندما تقع ساكنة في أول الكلمة. فَشْ قَهْرو: سرَّح غضبه».

ملاحظة: النفش هو الفشّ إلا أن الأول لمادة ملبّدة متضامّة، فيكون تفريقها وتشعيثها، مثل مدّ الصّوف وندفه فينتفش، ومثل الطائر ينفشُ ريشه. أما الثاني فللهواء مثل هواء القربة يكون تسريحه فتنفشُّ. 

﴿فشكل

فَشْكَلْ: عمل بيديه فلم يتقن ما صنع، وتْفَشْكَلْ (مطاوع فَشْكَلْ): مشى معوجّاً، تعثّر، وقع أرضاً، وهي من المفردات الآرامية في اللهجة الليبية؛ الآثار: «تْفَشْكَل [في لهجة الموصل]: لم يحسن العمل بيده أو لم تطاوعه يده على العمل، ويقال لمن كان يحمل شيئاً فسقط من يده «تفشكلت ايدينو»، ويقال تْفَشْكَل أيضاً إذا تعثر في مشيته أو وقع على الأرض… من [الآرامية] «اثْبَشْكَل»: تفتّل، التوى، اعوجّ، وتدانى عقباه وتباعد قدماه. ومنه المفشكل من «مْبَشْكْلا»، وفي البقايا الآرامية: «فشكل: مشى بطريقة ملتوية، وفلان مفشكل ܡܦܫܟܠܐ معوجّ وملتوٍ في سيره، فعله ܦܰܫܟܶܠ»، ولعلها استقرّت في الفصحى على بناء فسكل، فالفِسْكِلُ: الفرس الذي يجيء في الحلبة آخر الخيل، ورجل فِسْكِلٌ: رَذْلٌ، وفُسكول: متأخّر تابع. تقتصر على ذلك. 

يتبع…

مقالات ذات علاقة

بصيرة الشعر .. محاولة ليست يائسة لتأصيل الحداثة الشعرية

سالم العوكلي

مفهوم الوطن ومكانته لدى الشاعر الليبي المعاصر

سالم أبوظهير

فوزية شلابي: أسرارُ العاشقةِ الطرابلسية

يونس شعبان الفنادي

اترك تعليق