لشهـر رمضان المُبارك في بلدنا طعـمٌ خـاصٌّ، ونَكْهَةٌ مُمَيَّزةٌ، وذكريَاتٌ جَمِيلَةٌ لاَ تُنْسَى، إنَّهُ شَهْـرُ البِرِّ والإِحْسَانِ، شَهْـرُ الخير والبَرَكَةِ وَصِلَةِ الأَرْحَـامِ، تَجْتَمِعُ فِيهِ الأُسْرَةُ كُلُّهَا، لَيْسَ كَأَيِّ اجْتِمَاعٍ آخَرَ فِي السَّنَةِ، فَلَمَّةُ شهـر رمضان لها خُصُوصيَّتُها، حَيْثُ يظهـرُ فيها التَّرابُطُ الأُسـريُّ، والمَوَدَّةُ والتَّواصُلُ والتَّرَاحُمِ، يَعْبِقُ أريج رمضان في البيُوت الدَّافئة، العامـرة بذكـر الله تَعَـالَى..
يَسْتَشْعِـرُ الجَمِيعُ عِظَمَ عبادة الصِّيَامِ، وَعُمْقَ الحِكْمَةِ مِنْ وراء فَرْضِهِ علينا، وتتوقُ النُّفُوسُ –بَعْـدَ يَوْمِ الصِّيام-إلى شُرْبَتِنَا اللذيذة، المَعْـرُوفَةِ فِي كُـلِّ البيُوت الليبيَّة “الشربة العربيَّة”، ومعها البطاطا المُبطنة، والمُقبلاتُ الأُخْـرَى..، مَعَ مُشاهـدة بَرَامِـجِ “المائدة” في التلفزيُون الوطنيِّ، والتي كان منْ أشهـرهـا البرنامجُ الفُكاهيُّ السَّاخِرُ: “حكاياتُ البسباسي”، الذي كان والدي -رحمهُ الله- يحُبُّ مُتابعتهُ كُلَّ يومٍ في الشهر الفضيل؛ لِمَا فِيهِ منْ تناوُلٍ مُمْتِعٍ وسَاخِـرٍ لكُلِّ ما يُهِمُّ النَّاس.. ولابُدَّ أنْ يكُون ذلك مع “عالة الشاهي”، وهي من المورُوث الليبيِّ العريق، وتعني: اجتماع العائلة، وجُلُوسهُم لشُرب الشاي “خُصُوصاً الأخضر”، الذي يتمُّ إعدادُهُ على (موقد غازٍ صغيرٍ)، وتقديمُهُ مع النَّعناع و”التيه” المعرُوف باسم “الميرميَّة” في بعض الدُّول العربيَّة..
بعد ذلك يحينُ وقت صلاة العشاء والتراويح، وتتعطَّرُ مساءاتُنا الرَّمضانيَّة بذكر الله سُبحانهُ وتعالى، وقراءة القُـرآن الكريم في شهر القُرآن.. وبَعْـدَ ذَلِكَ: يتبادلُ النَّاسُ الزِّيارات العائليَّة في هذه الفترة المُفضَّلة لدى الجميع، وتزدحمُ الشَّوارعُ، وتشهدُ المحلاَّتُ والأسواقُ حركةً نشطةً، ويحلُو السَّمرُ في شهر رمضان مع: “السفنز” و”الزلابية”، و”الكنافة” و”القطـائف”، وأطباق المحلبيَّة، وأكواب “قـمـر الدِّين”.. مُسامـراتٌ لا تَنْتَهِي، ودفءٌ لا يخبُو سناهُ، وذكرياتٌ مُمتدَّةٌ بلا انتهاءٍ، لأنَّ شَهْــرَ رمضـان ذاكـرةٌ يقظةٌ للزَّمَـانِ والمكان لا تشيـخُ وتهـرمُ، ذاكرة مليئة بالصور والأحداث ومحطات الزمـان الماضي، على أمـل أنْ يكُون القـادمُ دائماً أجمـل.. وكُلُّ عـامٍ والجميعُ بكُـلِّ خيرٍ وصحَّةٍ وسعـادةٍ..