محمد بوبكر المعداني
على الطريق الصحراوي المحاذي لإحدى القرى النائية بجمهورية مصرالعربيه كانت إطارات العديد من السيارات تنفجر دون سابق إنذار .. لم تكن تلك البقعة من الأرض كمثلث برموده الذي تختفي فيه السفن والطائرات لأسباب لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ..
كان سبب انفجار الإطارات الهوائية واضحا ً لكافة السائقين ولم يكن مثل اختفاء كل ما يمر في سماء أو مياه هذا المثلث الذي يقع غرب المحيط الأطلنطي تجاه الجنوب الشرقي لولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية ويعتبر لغزاً من ألغار الطبيعة احتار العلماء في تفسيره منذ مئات السنين .
في تلك القرية كان هناك مواطن مصري كعديد المواطنين الذين ضاقت به سبل العيش الكريم في بلادهم فلم يجد بدا ًمن أن يعمل في مهنة تصليح الإطارات.. ولأنه معدم ماديا ًولا يمتلك شيئا ًغاليا ً إلا صحته فقد كان محله عبارة عن عشه مشيدة بجريد النخل والمعدات التي يستخدمها في إصلاح الإطارات بدائية جدا ( ليفه ومفتاح عجل ) ولأن الزبائن يمرون عليه مرور الكرام فقد أصبح يكلف أطفاله برمي مسامير صغيره على قارعة ذاك الطريق .. لم يكن ذلك الرجل الذي يعتبر من الطبقات المهشمة في المجتمع حاقدا على من يمتلكون السيارات ولكنه أراد بهذه المسامير أن يعلن احتجاجه عن البطالة والكساد الاقتصادي ويؤكد للجميع مدى أهميته في المجتمع وإنهم في حاجه إلى خدماته وبذلك يطعم أفواه أسرته الجائعة بعرق جبينه .
المسامير التي كان ينشرها الكاتب الصحفي حمد المسماري ـ رحمه الله واسكنه فسيح جناته ـ على صفحات صحيفة قورينا لا تختلف كثيرا عن المسامير التي كان ينثرها أطفال ذلك ( القوميستي ) على الطريق العام .. كلاهما كانت صوتا ً للمهمشين وتعبيرا ًعن همومهم .
كان قلب الأديب الراحل حمد المسماري ينبض بحب هذا الوطن متمرداً على كل سلبياته يحاول محاربة الفساد بقلمه المدبب الذي يستمد مداده من واقعنا المعاش ويمثل له مسمار 10 يود غرزه في أجساد الخنازير البشرية المحلية التي سرقت أحلام الليبيين والتهمـت ميزانيات آلاف المشاريـع !! ببرودة دم فاقـت بلادة الخنازير الحقيقية .!!
كان قلمه كمبضع الجراح الماهر الذي يتعامل مع الجسد بحكمه فلم يكن متهورا ً ينتقد من يستحق الثناء ولم يكن متملقا ً يسعى لكسب ود الأمناء والمسئولين بالتغزل بأفكارهم وتبرير أخطائهم.
كان يرصد الواقع بعدسة فنان ويحدد موطن الداء ويحاول معالجته بكل ما أوتي من ثقافة واسعة وقدرة على التحليل ووطنية مفرطة . في مقالة ( تحزم أيها المواطن ) الذي نشر في عاموده الأسبوعي ـ( مسامير)ـ بصحيفة قورينا تطرق إلى عدة قضايا تشغل تفكيرنا ويئن منها مجتمعنا واستطاع ببراعة إن يربط عدة ( أحزمة ) في موضوع واحد بكل سلاسة ومزج للسخرية بالموضوعية .. وتلك قدرات لا يمتلكها العديد ممن يصنفون أنفسهم في خانة الأدباء والكتـّاب.
تطرق إلى ما اسماه حمى “حزام الأمان” التي اجتاحت بنغازي مع انتهاء أسبوع المرور لهذا العام وأكد على إنها ظاهرة حضارية حرص على ترسيخ مفهومها رجال المرور الأنيقون الذين أصبحوا يتخذون أسلوب يراعى فيه تطبيق القانون باحترام وود بعد أن كانت عبارة ـ( خف روحك يا أحمار)ـ أو ـ( درس على اليمين يا ليلى علوي )ـ هي اللغة المتداولة في التعامل مع المواطنين .
وعبر عن واقع طرقنا وشوارعنا التي حولتها شركات الطرق والبناء الوطنية إلى حفر، والميزانيات المنهوبة في قطاع الطرق والمواصلات ، وطالب بضرورة مناقشة إلغاء قانون “الكلاودو” المفروض من قبل الدولة كرسوم لسير سياراتنا على الطرقات منتهية الصلاحية ، وتحدث عن ( أحزمة ) أخرى بداية من شعاراتنا المجلجلة ” اربطوا الأحزمة ” وقال ربطناها نحن البسطاء إلى درجة كاد يفترسنا الموت جوعاً من شدة الألم ، بينما حدث العكس مع بعض المحظوظين وعانوا من التخمة ، وتطرق إلى شعبية “الحزام الأخضر” وأكد إنها مناطق تعاني من شح المياه فما بالك بالاخضرار، وإلى فتياتنا المتحزمات بأغانينا الشعبية “تحزيمة تركي” وانتهى بهن المطاف لكساد سوق الزواج نتيجة أوضاعنا الاقتصادية إلى العيش وحيدات وحدة قاتلة إلى حد الجنون .
كانت كلمات الأديب الراحل مولودة من رحم المعاناة تعبر عن أنين المحرومين وصرخات المهمشين فتصل إلى قلوب القراء قبل أن تستوعبها عقولهم ولكن هل كان لكتاباته وكتاباتي وكتابات كل من ينتقدون سلبيات هذا المجتمع ويحلمون بإصلاحه أي جدوى أم أن ذلك (صفير في وذن ميت) وهل استطاعت مسامير المسماري أن تفعل ما فعلته مسامير القوميستي ؟ إن جلود الخنازير أكثر صلابة من جلود الإطارات .
* سيبقى حمد المسماري في قلوبنا ونتضرع للمولى العلي القدير بأن يسكنه فسيح جناته وأن يتقبله مع الأبرار والصديقين وأن يجعل كل حرف خطته يداه عن جراح هذا الوطن في ميزان حسناته .
____________________________________
نشر بصحيفة قورينا – العدد 473 بتاريخ 30 / 06 / 2009
16.07.2009