عن «دار الحسام» ببنغازي صدرت للقاص والروائي محمد مفتاح الزروق روايته الثانية «ماء بين الأصابع» بعد عام واحد من صدور روايته الأولى «جزيرة الأميرات» عن دار النشر نفسها.
سبق للزروق أن أصدر عدة كتب إبداعية منها: «وجهان في الصقيع»، و«العزف على أوتار الوجع» الجزء الأول و«شارعنا القديم»، و«ناصية الانتظار»، بالإضافة لتحقيقه كتابًا تناول قضية أطفال الإيدز بعنوان «اغتيال البراءة» للدكتور سالم بوغرارة.
تتميز نصوص الزروق بالتصاقها الشديد بالواقع مع اكتسائها بروح السخرية والتهكم في انتقاد الأوضاع المعيشية للإنسان في ليبيا والعالم عبر لغة بسيطة مفهومة خالية من اللهجة الدارجة أو الأمثال الشعبية، بعيدة عن الاشتقاقات اللغوية والبلاغية وخالية من أي عبارات قد تخدش الحياء العام. نصوص غالبًا ما تركز على الجانب النفسي عند تحريك أي مشكلة معتمدة على رد فعل الطرف الآخر لإنتاج الرد أو التفاعل المطلوب الملائم للحدث.
القصة
روايته «ماء بين الأصابع» تحكي عن قصة حب غير تقليدية بين فتاة وشاب كان يعلمها. حب صامت ظن الطرفان أن صفحته طويت. أجبرت الفتاة على الزواج وعاد الشاب يجتر خيبته ليلتقيا في بلاد الضباب لندن مجددًا وقد اصطدم كل منهما بالتغيير الذي طرأ على الآخر. الرواية تناقش العلاقات التي قد تقوم بين عقليتين مختلفتين، معلم وطالبة، قد يحدث الارتباط وقد لا يحدث، لكن الندوب التي تحدث في المشاعر تظل حية أمدًا طويلاً. الرواية باختصار تشتغل على تفسير التناقضات المريعة في الشخصية الليبية، والصدمة التي تحدث لهذه الشخصية لدى محاولتها الخروج عن القيود الاجتماعية الاعتيادية.
«ماء بين الأصابع» قصة حب رومانسية تدور أحداثها في بنغازي وطرابلس ولندن، تحيلنا إلى السراب، إلى الرمال المتبددة من راحة اليد، الفعل الذي نتركه يموت من خلال الصمت وحبس البوح داخل الصدر، القصة التي تترك الفرصة تمر دون استثمارها في حينها.
نص يغوص في النفسية الليبية بالمدينة وما بها من تعقيدات راكمتها عادات وتقاليد وأخطاء في التربية والتكوين.نص يناهض الانغلاق ويدعو إلى الانفتاح من خلال الصراحة والاعتراف والاعتزاز بالنفس والفخر بها ودفعها للإبداع والتفوق وعدم الاستسلام لليأس.
يتبع الروائي الزروق نسقًا محكمًا منضبطًا في كتابة الرواية، فالأحداث تجدها منطقية، ولا مكان للفوضى السردية، أو التشتت الحكائي، أو التداعيات التي لا معنى لها، التي نلاحظها لدى عدة كتاب آخرين.
سألت الزروق هل لهذا الانضباط في الكتابة والدقة اللغوية وخلو المادة من أي أخطاء نحوية أو إملائية أو أسلوبية علاقة له بدراستك للهندسة وبدراستك في الكلية العسكرية؟ فأجاب: أنا من جيل أُلزم على العسكرية ولم ألزم على كتابة الإبداع فالأمر كان هواية قبل كل شيء. لقد دخلت العسكرية على مضض عشت هناك خمس سنوات أحسست فيها أنني في غير المكان المناسب متحينًا الفرصة للخروج، وحدث أن خرجت في أول فرصة، حول انعكاس الالتزام في الحياة والعمل والعسكرية على الكتابة، قد تقول نعم، فبطبيعتي كنت ملتزمًا في حياتي بالوقت، وفي الدراسة لا أغيب عن المدرسة حتى في مرضي، أذكر أنني أصبت في ركبتي وذهبت إلى المدرسة من السلماني حتى مدرسة شهداء يناير قفزًا على رجل واحدة، العسكرية كانت بالنسبة لي غربة وقيود وانكسار في الشخصية أكثر من كونها التزامًا.
وعن رؤيته للأوضاع الحالية في ليبيا وما جدوى صدور روايات أو دواوين شعر وسط هذا الدمار يضيف صاحب «وجهان في الصقيع».
أنا أصدر روايات وقصص لأناس يسألون عني ويقرؤون لي حتى ولو كانوا قلة، أما عن الوضع الحالي في ليبيا فبصراحة الساسة خذلوا الشعب، ومن هنا لن يتبقى للشعب سوى روحه ووجدانه المتمثل في الأدباء والكتاب الذين عليهم أن يصلحوا الأحوال بعقولهم وبرؤيتهم العميقة المليئة بالحب والسلام.
أما عن إصداراته المتعددة التي صدرت بجهده الشخصي وعلى نفقته الخاصة فيقول الزروق:
أصدر كتبي على حسابي لعدم تعاون الوزارة معي، مكافأة الكتاب الوحيد الذي أصدرته الوزارة لي تأخرت لسنة، وها أنذا بعد قرابة ثلاث سنوات لم أستلم نسخي وفق العقد المبرم مع الوزارة، وكتابي لم ينشر للقراء حقيقة. طبع وشارك في معرضين. ثم وضع في المخازن. لم أجده لا في مكتبات بنغازي ولا في أي مكان. النسخة الوحيدة أحضرها لي صديقي الكاتب الشاب حسام الدين الثني من معرض القاهرة للكتاب منذ عامين.