لا يمكن للإنسان أن يكون في الوقت نفسه حياً وميتاً، عاقلا ومجنونا، رجلا وامرأة، إلا إذا كان في (علاقة حرجة) تستطيع أن تجمع كل النقائض في مغامرة سرد مجنونة، يقودها خيال جامح، يتلاعب بالقوانين الكونية وينشئ فضاءً روائياً مختلفاً وشديد الخصوصية.
هذه هي التجربة الروائية الخامسة للروائية الليبية عائشة الأصفر، وجاءت بعنوان (علاقة حرجة)، العنوان الذي كلما طالعت مشهدا حرِجاً أو عجائبياً أو صادماً أو منغلقاً على التفسير، ستقلب كفيك بأسف وتهز رأسك متعجباً، وستقول إنها حقا علاقة حرجة، وهو بلا شك عنوان عبقري لتجربة سردية مختلفة.
تدور أحداث الرواية في العشرية المنصرمة من تاريخ ليبيا، حول شاب اسمه جبر، تعرض لصدمات نفسية صعبة، بعد مقتل أفراد من عائلته نتيجة سقوط صاروخ على بيتهم، ثم سجن أخيه وتشتت بقية العائلة، يتزوج من غزالة، الممرضة المتأزمة من طفولة مقهورة في سجن النساء، يتحول وإياها إلى الاتجار في الممنوعات، سلاح، حشيش،..، ثم يمر بمنعطف خطير في حياته حين يتعرف على الشيخ الذي يستبدل القلوب والعيون والذواكر، ليقرر جبر أن يستبدل ذاكرته بذاكرة أخرى علّه يستطيع نسيان الصدمات والواقع المزري الذي يعيشه. وتشاء الأقدار أن تتلبسه ذاكرة امرأة، هي عالمة الذرة المصرية د.سميرة موسى التي ماتت في كالفورنيا منذ عام 1952 في ظروف غامضة.
يتصاعد المد الحكائي إلى أعلى مستوياته، حين يعيش جبر في محيطه من الأسرة والأصدقاء والجيران بمظهر الرجل وروح الأنثى، في مشاهد صادمة، وأخرى عجائبية، أو غرائبية، أو كوميدية مؤلمة، تكشف عوالم من المفارقات والإحباطات والهزائم الإنسانية، وتتمكن (الأصفر) في روايتها هذه من الغوص في أعماق النفس البشرية وتحليل الصراعات والعواطف وإحالتها إلى مناطق اللاوعي، ببراعة تامة، كأنها تقول إن هذه منطقتها الخاصة التي تتقن اللعب فيها بلا منازع.
هي رواية تتحرك بين قصص ليبيا بهمومها وشتاتها وطوابيرها وفقرها وأزماتها وحروبها، وفي كل وجع متجدد تجد نفسك حائراً بين عالمين متناقضين، عالم الواقع وعالم التخييل، لكنك متأكد تماماً أنك تلامس الحقيقة، بل أنك جزء حقيقي من إحدى تلك القصص أو أكثر.