إلى الشاعر الراحل، جيلاني طريبشان: عاش ظروف الصعلكة والحرمان والانهيارات النفسية والعصبية والتغرب ودخل السجن والمصحات، إلا أنه، وفي أشد حالاته ضنكا وضعفا، لم يمكن أحدا من أن يصادر منه تبغه وناره.
عندما قعقع الباب الحديدي الثقيل وانفتح في غير مواعيده المعتادة، تحفزنا جميعنا، مثلما هي العادة في مثل هذه الحالات، لاستطلاع الأمر.
حل الصمت وأرهف بعضنا السمع محاولين تخمين خطوات مَن مِن الحراس هذه، أو عدد القادمين، وما إذا كان الأمر متعلقا بجلب وافد أو وافدين( فقد كان هناك من يستطيع تمييز خطوات كل عسكري من العسكريين الذين يترددون علينا، وبين خطوات العسكري والوافد[يكون الوافد في المقدمة بحذاء مدني، وأحيانا نعل أو شبشب، وخطوات متجرجرة مستسلمة، والعسكري وراءه بخطوات عازمة واثقة]، وحتى ما إذا كان العسكري قادما لمهمة محددة[خطوات قوية حازمة مستعجلة] أو مجرد جولة اعتيادية[ خطوات بطيئة متراخية برمة].). وتسابق اثنان من الأكثر حيوية وفطنة وفضولا إلى كوة الجدار، ليستطلعا المساحة التي يمكن أن يغطيها، من موقعهما ذاك، نظرهما من الممر.
التفت أحد الواقفَيْن بجانب الكوة هامسا:
– قادم جديد!.
بالقرب من باب الزنزانة( نقل الاثنان المشهد فيما بعد) أوقف العسكري الشاعر وفتشه. تلمس قوامه وفتش جيوبه، وعندما لم يعثر على شيء( وكان كل شيء ممنوعا) فتح الباب وأدخله.
استقبلناه بالاستغراب والترحاب، وأفردنا له مكانا للجلوس منهالين عليه بالأسئلة عنه وعن الأحوال في الخارج وعن أصدقائنا، وكان يجيب بتعب وارتباك.
استغل فرصة جزر أسئلتنا، فرفع ساق سرواله ليخرج من جوربه علبة تبغ وعلبة كبريت.
___________________________
من كتاب” سجنيات” الذي سيصدر عن دار الفرجاني قريبا.