تبدأ مرة أخرى
من نقطة الصفر، أو ربما أعلى قليلا
لا تبتئس حتى بلادك تبدأ
دائما من نقطة الصفر أو أعلى قليلا
هي جينات في وطن الرمال
والرمل يشبهنا حين يستقر، وحين يسافر.
شعر: عمر الكدي
وبعد…
لم أزرْ معرض القاهرة للكتاب الدورة الخمسين (23 يناير/5 فبراير 2019م) إلا ليوم واحد فقد أصابتني نوبة برد أرقدتني الفراش، لكني من زواره وقد صادف ذلك منذ دوراته الأولى حتى الأخيرة، وهو مناسبة لزيارة القاهرة التي لا تطاق صيفا. ولذلك أصبح الكتاب من رعاة السياحة القاهرية حتى لمصريي الأقاليم من يأتون زرافات ووحدانا فتزدهر السياحة الداخلية. وهذه الدورة الذهبية زخرت بحضور عربي مكثف ومنهم الليبيون، من حصل البعض منهم على زيارة للقاهرة على حساب الدولة، حيث بات المعرض محج المثقفين الليبيين خاصة الكتاب منهم، وذا شأن طيب فمعرض القاهرة للكتاب لا مثيل له عربيا.
وإذا كان التواجد بمعرض القاهرة للكتاب بمثابة سُنة حميدة فذا يعني أنه من لزوم ما يلزم أن يكون معرض طرابلس للكتاب فرض عين، المعرض الذي أقيم منذ عقود ولكن بشكل متقطع ما من الواجب عودة الروح إليه بكل يد مضرجة تدق على باب الكتاب، ما طاله إعصار الرقمية وقوتها لكن ذا الإعصار جعل الكتاب يؤخذ بقوة وزاده قوة وانتشارا، فدور النشر المصرية مثلا التي شاركت في دورة 2019 لمعرض القاهرة للكتاب قاربت 500 دار، ما يعني أن الكتاب وإن لبس ثوبا جديدا هو الكتاب منذ كان نقشا مسماريا في العراق أو رسما في كهوف تاسيلي وحتى رقمنته الساعة.
لهذا فإن عودة الروح لمعرض طرابلس للكتاب تحتاج ليس لقرار رسمي فحسب بل لتكاثف الجهود من الليبيين كافة، وخاصة أصحاب الشأن كالمثقفين والكتاب منهم والناشرين والمعلمين والمتعلمين والمؤسسات التعليمية جملة، وإن وضع هؤلاء جهدهم ووقتهم ومالهم فإنهم قادرون على فعل المستحيل، وعودة روح معرض طرابلس للكتاب ليست بالأمر المستحيل.
الساعة ساعة الكتاب ما بمكنته إعادة روح طرابلس، عاصمة البلاد العروة الوثقى، ومن هذا بلدية العاصمة عليها واجب النهوض بما يلزم:
أولا: تكوين لجنة وطنية للكتاب مهمتها الأساس معرض طرابلس للكتاب، لجنة دائمة يفترض أن تكون تبعيتها المباشرة لمجلس الوزراء ما يقرها ويوفر ميزانيتها ويضع قانونها، ما أفترض أن يجعل مهمتها الأساس حماية الكتاب والذود عنه والحرص على نشره، وإقامة معرضه العام والتشجيع على إقامة المعارض الخاصة والمختصة، والحث على أن تكون هذه المعارض حيث أمكن في المكان والزمان.
ثانيا: اللجنة الوطنية للكتاب الدائمة أفترض رئاستها وأعضاءها من الكتاب واتحاد الناشرين والمؤسسات الثقافية والتعليمية وذات الشأن.
ثالثا: أن لا نبدأ من نقطة الصفر بل نعد أول معرض أقيم بالبلاد هو المعرض الأول وهكذا يكون المعرض القادم متسلسلا من الأول، وعليه يكون معرض طرابلس بشارع عمر المختار المقر القار لمعرض الكتاب، ويمكن أن يكون مقرا لمعرض دائم للكتاب والفنون.
رابعا: أن يكون شهر مايو والأسبوع الأخير منه التاريخ القار لإقامة المعرض، ولنبدأ هذا العام في العمل من أجل عودة روح ليبيا/ الكتاب ما يوفر زخما للقاء وطني ثقافي فني بعيدا عن السياسة ومشاكل الساعة.
خامسا: تكون الدورة الحالية عاجلة في مايو 2019م ويُدعى للمشاركة فيها كل الجهات العامة والخاصة الثقافية والإعلامية والتعليمية، وتقوم اللجنة الوطنية للكتاب الدائمة المشكلة بدعوة عاجلة للجهات المذكورة، التي تعمل على الإعداد للدورة متخطية الصعاب، ومعتبرة أن الدورة هدفها الأساس عودة روح البلاد كمهمة ثقافية “الكتاب” عنوانها ووسيلتها، وإن كان يظهر أن المهمة صعبة لكن نتائجها تستدعي المكابدة والمعاناة من أجلها.
وقبل…
فإن معرض طرابلس للكتاب ليس بالأمر الصعب ولا الهين في هذا الظرف العصيب، وما لقاء القاهرة إلا المثال على أن تفاؤل الإرادة يغلب تشاؤم العقل، وأن ما لا يطال كله لا يترك كله، وأن المليون خطوة تبدأ بخطوة، وهذا ليس حشدا لمقولات بل أن الفعل متوفر لكنه مشتت في الخصوص، فالقوى الناعمة الليبية خلال سنوات ثورة فبراير كانت القادرة والفاعلة، وكتاب وفنانو ليبيا ومثقفوها بألوان الطيف قدموا الغالي والنفيس، وكانوا جديرين بالمهمة في هذه المرحلة وقد أنتجوا الكتب والأعمال الفنية وأقاموا المناشط الثمينة حين صعبت الطريق، وما معرض طرابلس للكتاب إلا تكثيفا لتلك المهمة ممن حملوا أرواحهم على الأكف، فكانوا في الزمان والمكان وفي الداخل والخارج حقائق ساطعة رغم التخرصات والجحود، ولهذا لم ينتظروا فبادروا كأفراد قبل وكجماعة حيثما تمكنوا.
القوى الناعمة الليبية خلال سنوات فبراير السبعة الصعبة كانت القوى التي تبادر بالفعل والقوى، ومنهم الفرد في صيغة الجمع…فهلموا نعيد الروح لمعرض ليبيا: معرض طرابلس للكتاب دورة 2019م، وما عليكم بصعب، وحمل الجماعة ريش أو كما يقول المثل الليبي… وكل فبراير وأنتم بخير وسلام.