لا تختلف الكثير من الآراء حول جوهر الاختلاف بين الرواية التاريخية والتأريخ، فالثاني يرتكز على توثيق الأحداث التأريخية بالبحث العلمي الدقيق ليقدم الواقع وينقل الحقيقة المجردة، أما الأول فيرتكز على الخيال الأدبي عند كعامل أساسي في بناء السرد الأدبي للرواية، فهل من الممكن أن يعتمد على الرواية التاريخية في فهم التأريخ وقراءة مشهدية واقع حقبة تاريخية ما، وما حدود الآفاق المفتوحة أمام كتاب الروايات التاريخية وما الأشياء التي لا يحق لهم تجاوزها، هذه الأسئلة وغيرها توجهنا بها نحو ثلة من كتاب الرواية والأدباء من مختلف أنحاء الوطن العربي واستطلعنا آرائهم فكان التالي:
استطلاع/ منى بن هيبة الشريدي
لا يحق للروائي التلاعب بالتاريخ خدمة للسرد الأدبي
تقول الكاتبة الكردستانية آشتي كمال في جوهر الفرق بين كتابة الرواية التاريخية والتأريخ: “الحقل التاريخي يشمل الأحداث التاريخية ولابد من كتابتها بلا تغير أو تلاعب، أما الرواية التاريخية فهي سرد حدث تاريخي بطريقة فنية عن طريق توظيف عناصر السرد التي تشمل الحدث، الشخصيات، الحوارات، الخيال الأدبي والأسلوب وغيرها، وسؤالكم هنا ذكرني بشخصية كينيا في رواية قواعد العشق والتي تختلف نوعًا ما عن شخصيتها في رواية بنت مولانا حتى تسلسل الأحداث نوعا ما وردت مختلفة، وجاء في كتاب سيري کردي عن حياة مولانا إن كيميا زوجة شمس التبريزي هي ابنة كيرا خاتون زوجة مولانا من زوجها السابق، أما وفي (قواعد العشق الأربعون) لاليف شافاق وبنت مولانا مورل مفروي نقرأ أنها بنت لعائلة أخرى یتبناها مولانا رغبة منها للتعلم، ونجد هنا أن الروائي من الممكن أن يغير الحقيقة في حال عدم حصوله على معلومات وافية بعد البحث الجاد، ومن جانب آخر نجد أن المؤلف له مطلق الحرية في كيفية السرد واللعب بالتقنيات لكن دون تغيير الحقيقة فيما يخص السرد والتاريخ معا، وهنا أشدد على أنه لا يحق للروائي التلاعب بالتاريخ خدمة للسرد الأدبي بل من الممكن التلاعب بالسرد خدمة للتاريخ لأن تغيير التاريخ قلب للحقائق والواقع والوقائع، وبالتالي لن تحصل إلا على شيء زائف، ومما لا شك فيه أن السرد يعد سجلاً يضم فيه الوقائع والتاريخ ويحلله ويشخصه فنيًا وعلى سبيل المثال (خسارة نابليون في معركته الأخيرة) هل يحق لروائي أن يصوّر نابليون منتصرًا فيها؟! وإذا فعلها أحدهم ما الفائدة التي سيجنيها القارئ إذن من رواية لا تقدم له إلا الزيف؟!”.
الروائي عليه ألا يخالف الواقع
أما القاص العراقي فلاح العيساوي فيرى أن:” من الممكن للروائي إضافة دراما متخيلة في الرواية التاريخية، لكن تغيير التاريخ أعتبره تزييف حتى لو كان في عمل روائي، و قبل مدة قرأت رواية قواعد العشق الأربعون وعند القراءة لاحظت ان المؤلفة شافاق، قد اخطأت في وصفها عندما قالت إن الثلج نزل في بغداد واستمر ثلاثة أشهر و عندما يكتب الروائي رواية تاريخية عليه أن لا يخالف الواقع فموقع بغداد الجغرافي بعيد عن نزول الثلج فمناخها في الشتاء بارد لكن ليس إلى الحد الذي ينزل فيه الثلج، وطبعا يحق للروائي إضافة الكثير من الدراما المتخيلة وكذلك الشخوص لكن ما جاء هنا كان مخالفا للواقع وسيكون مضحك لدى المتلقي، ثم ان الخيال والفنطازيا هي صنف روائي، و عندما نشرت ملاحظتي عن رواية قواعد العشق الأربعون علق لي صديقي روائي أشار فيه إلى دارسة نقدية عن رواية القواعد بعنوان (الأربعون خطأ في رواية قواعد العشق الأربعون) للناقد العراقي الدكتور نجم عبدالله وهو ناقد معروف، لكن تبقى الرواية عمل إبداعي كبير والكاتب بشر والبشر خطاؤون وتبقى الرواية هي الإنجاز الأكبر لأي مبدع”.
أوضح الروائي والقاص الفلسطيني رياض حلايقة أوجه الاختلاف قائلا:” الرواية التاريخية أن تكتب عن شخصية تاريخية أو أحداث تاريخية، أما الحقل الآخر أن تكتب عن رواية يدخل في ثناياه التاريخ وبينهما فرق كبير، وفي تجربتي كتبت ثلاث روايات منها اثنتين ضمن حقل الخيال العلمي، حيث تدور أحداث الأولى في أمريكا والثانية في إيطاليا كانت الأحداث في أماكن تاريخية مع وصف دقيق لها أما الثالثة فهي فلسطينية بامتياز بعنوان رغم الاعتقال أحداثها تدور في فلسطين، ﻷمريكا، الجزائر، فرنسا، السعودية، الأردن واﻹمارات، رواية رغم الاعتقال تدور احداثها في زمن الحرب الأهلية الأمريكية والوقت الحالي وفي الأرض والكواكب”.
روايات التاريخ المشوهة طمست الحقائق عن الأجيال
كما شاركتنا الحديث الكاتبة الأردنية هيفاء المجدلاوي وقدمت رؤية أكثر امتدادا أكدت فيها:” الرواية التاريخية تقتضي الأمانة والتوثيق ﻷنها فعليا تختلف عن بقية أنواع السرد في الروايات، حيث أنها لا تحتمل التأويل ولا التدخل من الكاتب ولا تقبل التزييف فدور الكاتب هنت هو نقل للوقائع بتجرد بعيدا عن مشاعر نبض الكاتب أو تحيزه او انتمائه وهنا أجد الرواية التاريخية توثيق بطريقة شيقة وتسجيل لأحداث وقعت خلال حقبة تاريخية معينة لا يجوز فيها إغفال واقع بعينه عن قصد أو التزييف، والملاحظ وقوع كثير من كتاب الغرب عن عمد وقصد في فوهة تزوير الحقائق التاريخية، وكمثال أقرب نعرف كلنا ما فعله الغرب وبعض المستشرقين بنا نحن العرب حيث زيفوا تاريخنا وشوهوا صور أبطالنا ورموز بلادنا وحضاراتنا وقدموهم لنا على أنهم عباد جواري وسلاطين قصور وأتباع شرب ومجالس سمر، في حين أن تاريخهم المسطر بأقلام البحاث والمؤرخين العرب كشف صورهم الحقيقية وهي أنهم كانوا مناصرون للحق وعارفين لأحكام العدالة والمساواة التي شرعها الإسلام وتمت بجهودهم الفتوحات الإسلامية”
التزييف مرفوض ولو كان تحت غطاء حرية القلم
وأضافت:” ينبغي للمؤرخ أو الكاتب في حالة تناوله لرواية تاريخية واقعية الاستناد لمرجع تاريخي حقيقي، أما الروايات التي تستند إلى قصص معينة متناولة جزء من ملامح تاريح حقبة معينة كواقع اجتماعي أو سياسي فهي في عمومها ليست تاريخية وثائقية، ﻷنه من الممكن أن يتدخل بها الكاتب ويلعب بالشخصيات كما يشاء ومثال على هذا إذا تناولت قصة سردية ما كالحجاج فيجب نقل الوقائع بحق وتماما في خال تناول شخصية سياسية معاصرة مثلا أما إذا تناولت شخوص لرواية بخلاف التاريخية فهنا يمكن أن أدمج الخيال وابتكر كيفما أشاء، أذكر مرة أني اشتريت رواية لكاتب فلسطيني وبعدما قرأتها ذهلت عجبا مما كتب فيها عندما تناول المخيمات حيث قدم صورة حياة الأسر اللاجئة كأنهم غرب، الجار لا يراعي جاره وكلها خيانات بالشرف وطعن للأخلاق، وتمنيت حينها أن ألتقي به فقط لأوضح له أن أبناء وطنه ليسوا كما وصفهم، وهنا لا يمكن للعقل البتة أن يصدق روايته وإن كانت فنتازيا كونه تناول فيها قضية معينة تمثل اللجوء، عليه فإن التزييف فعل مرفوض حتى لو كانت تحت غطاء حرية القلم”.
الرواية عمل أدبي ولا تعتبر مرجعا تاريخيا
الناقد والقاص والشاعر المصري محمد البنا لم يختلف رأيه كثيرا عما تفضل به الأساتذة حيث رأى أن:” : الرواية أيا كانت أحداثها هى أولا وأخيرا تخيل للمؤلف أي عمل أدبي ليس إلا، ولا تعتبر مرجعا تاريخيا، بمعنى أن للمؤلف مطلق الحرية في كيفية تناول شخصيات وأحداث روايته ولا شئ يلزمه، إن فعل فعل، وإن لم يفعل، فلا جرم عليه، ونحن هنا نتحدث عن رواية وليس عن وثيقة تاريخية ونستثني هنا الشخصيات العالمية (الدينية والتاريخية) فلا يجوز للروائي نسب صفات أو مواقف أو أفعال غير موثقة لاسيما إن كان فيها ما يسيء بشكل أو بآخر للشخصية، فلا تزييف أو تغيير فيما أتفق عليه وثائقيا”.
الرواية التاريخية قراءة للتاريخ بجماليات الأدب
القاص والشاعر اللبناني سليمان جمعة أدلى بدلوه هو الآخر وأوضح أن:” لا تزييف في الرواية فهي سرد الواقعة برؤية جمالية وقراءة لها بحركة حياة جديدة، كسرمقند لأمين معلوف
انتماء الشخصيات والزمن والجغرافيا، فهي لا تزور إنما تكون إطارا للرؤية كذلك هي قراءة للتاريخ بجمالية الأدب، والمهم هنا ألا تكون توثيقية أو إعادة إنتاج مكررة لا طائل من ورائه، وإذا كانت الرواية هي تأكيد للهوية فالتاريخ هو أحد العناصر التي تنطق بها في فترة محددة للتعريف بتطور الأحداث ونموها”.