تراث

الأمثال الشعبية ودورها في الثقافة التباوية

امراجع السحاتي

 

الأمثال التباوية تمثل جزء من معالم التبو الحضارية. وهي أمثال تداولها التبو وهم من قام بتأليفها ، وقد استلهمها التبو من الطبيعة وبيئتهم التي يعيشون فيها ومن حيواناتهم. وهذه الأمثال الفت بلغة التبو الخاصة بهم . تلك اللغة التي يتخاطبون بها والتي تعودوا بالمخاطبة بها بسبب الأحوال البيئية والمعيشية وحتى الأمنية ، كل مثل له قصة والأمثال في مجملها حكم .

لنتطرق لتعريف المثل قبل الدخول إلى أمثال التبو كمعالم حضارية للثقافة التباوية خاصة والثقافة الليبية عامة حيث يقول الدكتور عبد الحميد محمود المسلوت  في كتابه ” الأدب العربي بين الجاهلية والإسلام ” الصادر عن الجامعة الليبية الطبعة الأولى سنة 1973م :-

” قد تشتهر الحكمة وتسير في الناس فتصبح مثلاً ”  (1) .

والحكمة كما عرفها ( كتاب الأدب العربي بين الجاهلية والاسلام ) هي ” العلم النافع الذي يمنع صاحبه من الطيش ” ويضيف ” الحكمة قول موجز يتضمن حكماً مسلماً في الحث علي الخير أو الكف عن الشر ..”

ويضيف نفس الكتاب عن المثل ويقول :-

” المثل هو كما يقول الميداني في مجمع الأمثال ..  قول  سائر يشبه به حال الثاني بالأول . “

يقول أبو هلال العسكري في كتابه (جمهرة الأمثال) :-

”  أنها تضرب علي ما جاءت عن العرب ولا تغير حقيقتها فتقول للرجال الصيف ضيعت اللبن بكسر التاء لأنها حكاية. ” ومن أشهر الأمثال العربية المثل القائل ” لكل جواد كبوة”  و” فزع الفؤاد ذهب الرقاد” إلى آخره من الأمثال المعبرة والتي تعتبر دروساً في الخير والشر في الحياة.

ويشير مارون عبود عن الأمثال الشعبية في كتابه ” الشعر العامي ”  بأنها ثقافة شعبية عامة ، كما يقول عن المثل :-

“المثل أدب الشعب وعنوان ثقافته، ودليل علي عقلية الأمة الخام ، وأخلاقها الأولية ، ونتيجة اختباراتها في الحياة ، أن الأمثال القروية أحكام محكمة الوضع في الجمل وجيزة يعرفها القروي الأمي كما يعرف المحامي المتضلع بمواد الحقوق الأصلية ، فهو يحدثك دائماً بالأمثال”  (2).

والتبو ككل الشعوب تعتبر هذه الأمثال من آدابهم وعنوان ثقافتهم ودليل على عقليتهم الخام كذلك وقد وضعوها بكل دقة لما يمتاز من وضعها من حنكة ودرية بالأمور المختلفة .

التبو استخدموا الأمثال في الحكم على الأشياء وتعتبر عندهم المراجع في حل جميع مشاكلهم وقضاياهم ومن يحفظها يصبح حكماً في العديد من القضايا والمشاكل التي تخصهم .

الأمثال التباوية كثيرة وكثيرة جداً حيث أن في كل يوم وساعة يظهر مثل جديد  يتداوله التبو في اليوم الثاني أو الساعة الثانية ، وهي سريعة الانتشار بسبب تداولها المستمر بين التبو مثلها مثل الأشعار التي تنتشر إلي ابعد من المكان الذي الفت فيه ، وبعض الأمثال التباوية لا تختلف عن أمثال بعض المناطق في أماكن أخرى إلا في اللهجة أو اللغة ، وكذلك عن الأمثال للأقطار العربية والإقليمية والدولية.

وعموما فان الأمثال في جميع أنحاء العالم تكاد تكون قريبة من بعضها البعض نظراً لطبيعة الشعوب فمثلاً المثل الإيطالي الذي يقول :-

” عصفور في اليد ولا عشرة علي الشجرة “

يطابقه المثل العربي الليبي الذي يقول :-

” طير في ليد ولا عشرة علي الشجرة” .

وكذلك المثل التباوي الليبي الذي يقول :-

” ما بفمك وما بيدك ما بفمك لك “

وهكذا تجد التقارب والتشابه بين الأمثال وكذلك هي الأمثال التباوية . وفي نفس الوقت تخلق البيئة والعادات والتقاليد أمثال متميزة عن أمثال الشعوب والامم الاخرى .

هناك الكثير من الأمثال والتي تتردد كثيراً لدى التبو ، وقد تميز التبو بها بسبب البيئة التي عاشوا فيها وكذلك بسبب العادات والتقاليد . كانت تلك الأمثال يستخدمها التبو كمراجع ومصادر لحل القضايا ومعرفة الحياة .

من تلك الأمثال نذكر المثل الذي يقول :-

1- ” تسكت وتصبح ألمونيوم أفضل من أن تتكلم وتصبح ذهباً “

هذا المثل يتشابه مع المثل العربي القائل :- ” إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”

2- ” أن لم تطفئ النار في الصغر فلن تنطفئ عند الكبر”

يدعو هذا المثل إلى حل المشاكل في بدايتها قبل أن تتشعب وتكبر.

3- ” عيناك أفضل من عشرة أبناء”.

4- ” جراد السماء وعقرب الأرض يجمعهما الله “

يقصد من هذا المثل أن لكل كائن رزقه في هذه الحياة وقسمته.

5- ” أن لم يمت جدي فالنسر في رعاية الله”

من عادة النسور تختفي مدة من الزمن عن أهالي الصحراء ولكنها تظهر حين تظهر الجيف. يقصد من هذا المثل إلى أن كل شخص رزقه على الله حيث إذا لم يجد ما يريد ولم يعطه أحد فان رزقه على الله.

6- ” الضعيف ضرته القضية “

أي أن الشخص الخجول لا يستطيع أن يدافع عن نفسه حينما يتعرض لمشكلة ويصبح هو الجاني حتى لو كان برئ .

7- ” الشيء المكشوف لا يمكن إخفاءه”

8- ” عند تعرضك لاعتداء رجل فهو أطرش وعند تعرضك لهجوم جمل فهو أعمى”

أي أن من يرغب في ذلك ويريد لك الشر فهو لا يرى ولا يسمع شيء .

9- ” شمس الضحى وشخص يكرهك يضرانك من حيث لا تدري “

أي يجب أخذ الحيطة والحذر من الشخص الذي يكرهك. فشمس الضحى حين يتعرض لها أحد فأنها تصيبه بالدوار والصداع ، والشخص الذي يكره أحد فانه قد يصيبه بمكروه لان ذلك الشخص لا يدري ما يخطط له .

10- ” جمل يجري وحده سريع وشخص يتكلم وحده فصيح”

أي أن كل شخص يتكلم لوحده دون نقاش محق .

11- ” الظن يقودك إلى النار”

أي أن الظن والشك يقودا إلى أشياء خطيرة قد تؤدي بك إلى التهلكة .

12- ” الفقر أكثر أرجلا من الخنفساء “

أي أن الطرق التي تؤدي إلى الفقر كثيرة .

13- ” لو وقعت المعجزة فالذبابة تكسر الجرة “

أي انه بالقدر يمكن حدوث أي شيء .

14- ” الرجل والكرسوى لابد من الاحمرار” ،

الكرسوى شجرة تنبت بجنوب الصحراء الليبية خاصة بالمناطق التي يعيش فيها التبو مثل ربيانة، وهذه الشجرة تحمر من وقت لآخر .

أي أن الرجل البسيط والضعيف يمكن في يوم من الأيام ان يصبح رجل مهم كما تتغير شجرة الكرسوى .

15- ” دون فتح الفم لا تخلع السن”

أي انه أن لم تقول ما تريد فلن تتحصل عليه .

16- ” لا ضرر أن أدانك قاضي أو أسقطك جمل “

أي يجب أن تقبل بالشيء الصحيح والمتفق عليه من قبل الجميع .

17- ” إذا لم يخسر الفقراء فلا يصبح الأغنياء أغنياء”

هذا المثل فيه قناعة .

18- ” لا يمكن الاختباء على ظهر الجمل ولا إخفاء آثار الأرجل على الرمل “

وهو يهدف إلى قول الحقيقة ؛ لان الحق لا يخفى على أحد  .

19- ” الطموح ليس سيئاً ولكن حلف اليمن هو الأسوأ “

أي أن المحاولة للحصول على شيء جيد محبب ومقبول ، ولكن الوقوع في المشاكل غير مرغوب فيه .

20- ” الترف يعلمك ألفاظاً جديدة والجوع يعلمك أطعمة جديدة “

أي أن السعادة والعيش في ترف قد تجر الشخص إلى عدم احترام الغير وتعلمه ألفاظاً غير لائقة .

21- ” أن تعلم فمك الكلام أوشك رأسك على الضرب “

أي أن لم تحسن الحديث عليك تحمل ما يوجه إليك من نقد .

22- ” ان وصيت شخص وصايا الخير ولم يأخذ بها أعطيه وصايا الموت ” ،

أي أن كثير من الأشخاص لن يصدقوا أشياء لم يشاهدوها بأعينهم .

23- ” حتى لو لبست عشرة قمصان تعرف مكان سرتك “

أي انه إذا أصبحت حاكم أو مسؤول لا تستطيع إنكار أصلك .

24- ” إن لم لا تريد صديقك يتقدم فدينه “

أي أن الديون تؤذي في بعض الأحيان .

25- ” بروز الليل يلوث مواضيع كثيرة ” ،

وهو يشير هذا المثل للعيوب  .

حقيقة الأمثال التباوية تمثل معالم حضارية وثقافية لليبيا عامة للتبو خاصة وهي غنية بالحكم والعبر والآداب ، وهي دليل على عقليتهم الخام . وهي من إبداعات مبدعين عرفوا وأدركوا ، وتراكمت في عقولهم خبرات وآداب إنسانية خالدة وعظيمة ، وخلدوها لشعبهم كإرث حضاري يعادل الحضارات العالمية في كل شيء.

______________________

المراجع :

1- عبد الحميد محمود المسلوت ،  الأدب العربي بين الجاهلية والإسلام  ، ( بنغازي- ليبيا : منشورات الجامعة الليبية ، ط1 ، 1973 ) .

2- مارون عبود ، الشعر العامي ، ( بيروت – لبنان : دار الثقافة ، دار مارون ، ط1 ، 1968 ) .

3- امرجع السحاتي ، الثقافة التباوية اداب وعقلية شعب ، مراجعة عثمان المثلوثي ، تقديم عبدالله لبن ، ( البيضاء – ليبيا : جين للطباعة والنشر والتوزيع ، ط1 ، 2015 ) ،

 

مقالات ذات علاقة

غناوي علم / الرّحيل

المشرف العام

يا مدينة يا عزيزة عليا

المشرف العام

«الطوير الأخضر».. «سندريلا» التراث الليبي

أسماء بن سعيد

اترك تعليق