من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي
طيوب النص

فقد

أمل بنود

من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي

منذ أن فقدتُ أمي ما عدتُ اكتبُ لكْ !
يا رفيقي في سيارة “القلع” ونحن نقضي مشاويرنا إلى كوشة “المغربي” و”الفندق” على أنغام ” العلم” وكثيرًا ما كنتُ أعرج معك على مركز الشرطة لتطمئن على سير العمل واحتياجات زملائك.
كنت تأخذني معك أينما ذهبت، وتسمح لي بفتح النافذة وإخراج يدي ورأسي للهواء وتعلمني الخطوات الأساسية لقيادة السيارة .
كانتا عيناك فخورتان بي على الدوام رغم أنني طفلة شقية مدللة لم تقدم ما يستحق الفخر!
لم يسامحني أحد مثلما فعلت كلما تأففتُ من فقرك في العيد وبداية العام الدراسي.
لم يدافع عني أحد مثلما دافعت عني كلما ضربتُ بنات الجيران أو رميتُ أسطحهم بقناني المشروب الغازي الزجاجية !
لم يراني أحد جميلة سواك عندما كنتُ طفلة قصيرة، نحيفة، سمراء القشرة، حولاء العين، ولدغة في لساني تثير السخرية..

كلما شكتك أمي درجاتي الضعيفة في المدرسة قلت لها بتعجب : “تبيها تنجح ديما؟!!”
وإذا اعترضن شقيقاتي على تمنعي من تنظيف البيت أقنعتهن بأني صغيرة واقترحت عليهن : “ابنيتي دزنها للدكان بس “

كنتٓ لساني، ويدي، وجيبي الذي لا يخلو من “حلوى القطن” و”لوسي” و شوكلاه “الوردة” لكن :

لماذا “منذ أن فقدتُ أمي ما عدتُ اكتبُ لكْ !”
هل أصبحتُ الآن أحبها أكثر منك!!
أنت الذي كنتٓ تتخلى عنها في غرفة النوم لتحتضنني كلما دسستُ رأسي في ذراعك خوفا من شيطناتي نهارًا التي تلاحقني ليلاً، وأنا اليوم أبكيها وأنساك !!
لا .. ما كنت يومًا طفلةً جاحدة لكن الحبل السرّي الذي ظننته قد انقطع عاد!؛ ومنذ رحيلها يشتد وثاقه حول قلبي حتى صرتُ اختنق .. يا أبي طفلتك التي كانت تصدح على مسرح المدرسة بأغاني “يا أستاذي الفاضل” و “قسمًا بقرآني المجيد” ويصفق لها الجميع فيما تقدم لها لجنة التحكيم الجوائز صارت اليوم تختنق من الهدوء الذي ينخر جمجمتها !
استبدلت حياتها بالكتابة ولأن حياتها لا قيمة لها فهي اليوم كاتبة فاشلة بالكاد تستطيع الاعتراف بالجزء الأضعف من النص.
أنا خائفة من وحدتي يا أبي إنها لا تختلي بحاضري فحسب؛ إنها تمزقني من ماضيّ؛ المشاهد بدأت بالتلاشي من عمقي، وأخشى عليك أن تتلاشى ايضًا فلا اعد قادرة على التعرف عليك عندما تزورني في مناماتي.
قل لأمي أني سأبكيها حتى يهجر الغبار ملامحها، فإني أسمح بتلاشيها.

مقالات ذات علاقة

عالم مكسور

أيوب الجندلي

خطى يعقوب

خالد درويش

العربيّة .. لغة أم سلاح؟

أنيس فوزي

تعليق واحد

حسني المصراتي 15 أغسطس, 2017 at 14:28

ربي يحفظك أمل سلمت يمناك

رد

اترك تعليق