المقالة

نضحك مع إللي جفاني.. مصافحة إلى أحمد النويري

الشاعر والباحث في التراث الشعبي الليبي أحمد النويري.
الصورة: عن الشبكة.

 

لتجاوز أجواء الكآبة وخطاب الإثارة والتحريض، وردَّات الفعل والفعل المضاد، أن تُعيد إلى الذاكرة ما سبق أن تغذّت به من كنوز الأدب الشعبي، رواياته؛ وأمثاله ونصوصه الشعرية المُعبِّرة، تلك التي كان من أشهرها ما كُنا نستمتع به من مساهمات الشاعر والفنان أحمد النويري الذي طالما أتحفَنا به من رواياته مرة وما كتب هو مرات، ولا سيما في شهر رمضان المبارك الذي إشتهر فيه ببرنامجه قال صاحب العقل، فإذا بها تفرد له مساحة من الوقت عقب ساعات الإفطار، فيذكرنا بنصوص كثيراً ما إستمتعنا وإتعضنا بها بل وخرجنا بواسطتها من أقسى لحظات القنوط، هي كلمات مُرسَلة ومُنَغّمَة هدهدتنا بها أمهاتنا ذات يوم وهن يُخففن من آلامهن بإستشعار الأمل، كما لجأ إليها أباؤنا وهم يواجهون مِحن الأيام. لقد إستظهرناها في البدء دون أن ندرك معانيها البعيدة ومراميها القوية، وعُدنا إليها ونحن نُكابد ما نُكابد عبر مشوار العمر الذي صار لمجايلينا ممن إمتد بهم الزمن مُتقدماً، ومن عاجلهم جزءً من ذكرياتنا، أولئك الذين شارَكَنَا منهم النويري وأمثاله في مجال الأدب والفن عندما كان هذا الشاعر الشعبي يُسهم في عديد الأنشطة التي أُقيمت حول عدد الأعلام الوطنيين ولا سيما إدارة الثقافة والفنون التي أنشأها المرحوم خليفة التليسي وهو وزير الثقافة ولم يستطع أن يُعيِّن لها المسئول الذي يرى فيه الكفاية، جرّاء ما كان يسود العهد من التردد والإنغلاق، مما حرص التليسي على عدم التصريح به في حينه وقد علم النويري شيئاً منها ووثقها في الكثير من قصائده التي كان يكتبها عَفو الخاطر وهو يعايش شئوننا اليومية، نُرزَق الأولاد فيُبارك بشعره، ونتعرض لمِحنة السجن فلا يبخل بمواساة الأسرة في شهر الصوم، فيأتي حاملاً ما تيسَّر على الرغم من أن العهد لم يرتكب يومئذ جريرة مُضايقة الأُسَرْ، فتبقى الأحداث مجتمعة محفورة في الذاكرة كما هي مواقف آخرين أمثاله ممن كسبنا في المدينة الكبيرة من علاقات تجاوزت قرابة الدم أضعافاً مضاعفة بما حملت من المواقف الصادقة وما أشاعت من المشاعر الجميلة بوصفها نتاج الجهود المتكافية والذات المُقتدرة القانعة بما أنجزت والمُصرّة على ما اِختارت، إنها التجربة التي بدأت مع السبعينيات ولم تزدها الأيام إلا المزيد من الحرص على المشترك وما زلت كبير الشوق إليها واِزداد هذا الشوق أضعافاً وأنا أشاهد النويري يرسل نصوصه الشعرية بإسم الرجل مرة وعلى لسان المرأة مرات ولكنها على العموم مِحنة الإنسان، الذي يجد في قولها أو قوله

يا ليعة اِللي تغرّب واِللي جلا من بلاده

الفم يضحك ويلعب والقلب صابغ سواده

ليش ما اِدزّوا المراسيل وليش ما تهنّوا الخواطر

أنا القلب سهران ما بات والدمع يسكب قواطر

لقد هزتني بدون شك أبيات النويري وأكبرت للفضائية منحها إياه مثل هذه المساحة التي تخرج بالمشاهد من دنيا الرصاص ورائحة البارود وخطاب الكراهية فيحل خطاب الحكمة والجمال والتسامح والتسابق نحو المعروف ونصرة المسكين والملهوف. ومع أني كنت في حاجة إلى أن أُسمعه ما كتبه على لساني أحدهم ذات مرة وأكابد ذات رزية “لُوْ كان يا حمد عزّيتني في الغالي *** اِنتَ قبل ديما يشغلك موالي” فعبّْرَتْ عن حالة مررت بها ولم أستطع بعد الخروج منها وما أظنني قادر أبدا، إلا أنني ما لبثت أن ضمرت نصاً آخر فأُذكِّر به النويري إن قرأ ما أكتب وربما قرأ غيره وأدرك من ذات الأقوال التي طالما تسلّى بترديدها كل من عضّهم الدهر واِستعانوا عليه بالصبر والإيمان وقوي الأمل فقال قائلهم

نرقد على الشوك عريان ونضحك مع اِللي جفاني

ونصبر على جور الايام لين يستوي لي زماني

مقالات ذات علاقة

مقاهي طرابلس

المشرف العام

نسخ المنسوخ

منصور أبوشناف

الغرق في رمال اليوم الآخر

عمر الكدي

اترك تعليق