النقد دراسات

البناء النصّي في شعر عبدالمنعم المحجوب (8) .. فاعلية بناء الإيقاع الداخلي

بقلم: فضة الشارف

1- مدخل:

يعد الإيقاع عنصراً أساسياً من عناصر بناء النص الشعري ((إذ لا يستطيع الشعر أن يقدم نفسه دون إيقاعية لها ثوابتها، لأن الإيقاع يتبع مبدئياً حركة القصيدة ويتشكل بوصفة أحد عناصرها بروزاً؛ لذلك لا قاعدة مسبقة لإيقاع القصيدة))([1]). فهو بمثابة الروح التي تسري في القصيدة، وتعتمد على النشاط النفسي للشاعر([2]). ويرتبط بالتجربة الشعرية حيث يعتمد الشعر على ((خاصية موسيقية جوهرية هي ذلك الإيقاع الناشئ عن تساوق الحركات والسكنات مع الحالة الشعورية لدى الشاعر))([3])؛ بذلك أصبحت موسيقى الشعر ((توقيعات نفسية تنفذ إلى صميم المتلقي لتهز أعماقه في هدوء))([4]).

إن كمال الشعري يكمن في الإيحاء بما يزخر به من شعور أو عاطفة، لذلك إذا أراد القارئ أن يكشف عن العناصر البانية للنص الشعري عليه أن يلجأ إلى معاينة الوسائل الإيحائية للغة في تعبيراتها الدلالية والموسيقية؛ لأن الشعر تجربة ذاتية ذات طابع اجتماعي، وتشكل الموسيقى الصورة الشعرية التي من دونها لا يكون النص نصاً شعرياً إذا لم يشتمل على عناصره الكلية([5]).

يتحقق الإيقاع في النص من تفاعل عدة دوال صوتية ومعنوية تكوّن كلية موسيقية؛ لذا يمكن دراسة الإيقاع في قصيدة النثر من جانبين تلعب من خلالهما موسيقي الشعر دوراً مهماً في البناء الشعري هما: الإيقاع الداخلي، والإيقاع المعنوي، فللقصيدة ((على هذا الأساس نظامها الإيقاعي الداخلي الخاص بها، وبقدر ما تتقدم عند الشاعر حساسيته اللغوية والتصويرية، فإنه يكون ذا إمكانية أكبر على استثمار مكونات اللغة والصورة والرمز، وما يترتب عليها من نظم ومولدات إيقاعية تثوي في الصوت والدلالة معاً))([6]).

يتمثل الإيقاع الداخلي في التكرار وأشكاله، وإيقاع البياض والسواد، وزجهم ((في بنية إيقاعية لا يمكن رصدها إلا بقراءة القصيدة قراءة داخلية كاشفة))([7]). ويتمثل الإيقاع المعنوي في التقابلات والثنائيات الضدية، والحركة والسكون وهذه كلها ((تعمل من جهتها على إضفاء قدرات شعرية جديدة تعمق قوة النص وتزيد من طاقاتها الإبداعية الخلاقة))([8]).

فالموسيقى لها ((أثر بيّن في إتمام الصورة الفنية وجعلها ترقى إلى درجة إثارة المتلقي وإطرابه))([9]) والتأثير النفسي فيه، ونظراً لأهميتها في التأثير على الأحاسيس والسيطرة عل المشاعر لا يخلو أي شعر منها.

2- الإيقاع الداخلي:

ينبع الإيقاع الداخلي من طبيعة حروف اللغة ذاتها، ومن ثمَّ تتفاعل الأصوات اللغوية مشكلة صوراً متدفقة بالمعاني التي يتعالق فيها الصوت بصداه، فتتعالى الإيحاءات على شكل إيقاعات موسيقية تتهامس ودواخل المتلقي، كما فعلت من قبل في دواخل الذات الكاتبة، ولكنها موسيقى تختلف عن موسيقى الشكل المنظوم المعروف.

فالموسيقى قد تولد من غير الوزن حيث إن ((ما يولد الموسيقى في الشعر ليس فقط التفعيلة وأنواع تشكيلها، بل أجزاء تبدو إلى قصيدة النثر أكثر أهمية))([10]). إذ تعتمد بذلك قصيدة النثر على تفاعلات الموسيقى الداخلية وفنياتها كالتكرار وإيقاع البياض والسواد.

1.2- التَّكْرار:

يُعَدّ التكرار عنصراً من عناصر الإيقاع الداخلي للقصيدة، إذ يسهم كثيراً ((في تثبيت إيقاعها الداخلي وتسويغ الاعتماد عليه مرتكزاً صوتياً يشعر الأدب بالانسجام والتوقف والقبول))([11])، الذي قد تجاوز البعد الإيقاعي في التأثير، متدخلاً في إنتاج الأبعاد الدلالية للقصيدة من خلال آليات النظم المختلفة والمتباينة التي يمكن أن يأتي عليها التكرار ك ((التكرار لحروف بذاتها، أو كلمات، والذي هو تكرار لأصوات، لمسافات زمنية لغوية وقد تكون اللفظ، كما قد يكون المعنى هو حدود هذه المسافات أو فاصلتها))([12]).

بذلك يعمل الشاعر من خلال آلية التكرار على خلق إيقاع النص الخاص؛ ليتيح للقارئ الوقوف عليها، والذي يعده عنصراً بارزاً، بل إنه يشكل في بعض النصوص إضاءاته الدالة عليه، فهو لازمة لغوية تتردد في مواطن محددة في القصيدة، ويعتبر ركيزة بنائية تنبثق القصيدة منها، أو هو الأساس الذي يمنع القصيدة من التشتت، ويحقق تماسكها ووحدتها إذا أحسن الشاعر توظيفها، حيث ما يلفت القارئ في شعر عبدالمنعم المحجوب هو التكرار على مستوى البناء، وهذا ملمح شعري أصيل، فالبنية الشعرية ذات طبيعة تكرارية.

1.1.2- التكرار الاستهلالي:

يهدف هذا التكرار إلى الضغط على حالة لغوية واحدة، ثم توكيدها عدة مرات بصيغ متشابهة ومختلفة من أجل الوصول إلى وضع شعري معين قائم على المستوى الدلالي والمستوى الإيقاعي([13]) وهذا ما سنقرؤه في النص الآتي:

قِسْ

صمتَكَ

وانصتْ إِلى مَتَى

قسْ ماءَكَ القديمَ نفسه

يقود غابةَ السِّدْرِ إلى داخلها

يرافقُ الضباء

إلى صورتها

قسْ فراغكَ

دائراً مثلَ خذروفٍ([14]) في الفضاء.([15])

توصل القراءة المتمعنة الباحثة في هذا النص إلى أنه ينقسم على ثلاثة أقسام، ينبيء هذا التقسيم على فعل أمر يشكل نواة التكرار التي تكون بدورها نواة ابتناء النص وإنتاج دلالته، وهنا يتجلى الاعتبار، إذ بتكرار الفعل (قس) (النواة) سيتحقق تكرار استهلالي، يلفت انتباه المتلقي وإسناده أولاً إلى فعل ثم اسم في قوله (صمتك، ماءك، فراغات) تأكيداً للحالة التي يعيشها الشاعر، وينشئ هذا النوع من التكرار تعبيراً وجدانياً لإيقاع القصيدة الداخلي الذي عبر به الشاعر عن مشاعره، فالذات الكاتبة تجعل هذا التكرار الاستهلالي مظلة شعرية تهيمن على مناخ النص وتحتويه؛ بذلك تحقق توافقاً وانسجاماً تامين بين الإيقاع الصوتي المتولد عن تكرار الأصوات (قس)، وبين توزيع ذلك على أعمدة المظلة الشعرية بصرياً، مما يؤسس نمطاً من التناسق الإيقاعي المتولد بفعل التكرار الاستهلالي وهو على التوالي (قس) حيث الدلالة المتشابكة تحدد جزءاً مهماً من مصير القصيدة وشكلها الإيقاعي([16]). من هنا نقرأ التقسيم البنائي الأول للنص:

قِسْ

صمتَكَ

وانصتْ إلى مَتَى.

يرتبط الفعل (النواة) بالفعل الآخر (انصت) حيث يتجسر البناء الدلالي من طلب الفعل الأول لقياس الصمت؛ ليصل إلى الإنصات الذي يفضي بدوره إلى (متى) التي تظل مفتوحة، وبذلك يكون الجزء الأول من هذا النص منفتحاً بنائياً، ومن ثمَّ يتجسد الانفتاح الدلالي الذي يوحي ببعد وجودي لا يفارق صيرورة الإنسان وتخلقه، الأمر الذي نجده ماثلاً في الجزء الثاني من النص:

قسْ ماءَكَ القديمَ نفسه

يقود غابةَ السِّدْرِ إلى داخلها

يرافقُ الضباء

إلى صورتها.

يشي الفعل هنا باتجاه معنى الزيادة والاستمرار في بقاء الإنسان، وهذا الفعل ينشئ حركة داخلية سريعة للنص. نلحظ أن الشاعر يرفع شعاراً واضحاً في نصه هذا فقد كان كمن ينفض غباراً علق بأحداث قديمة نقرؤها بإنصات في زمن حديث، حيث يدعونا للالتفات أو إلى سرقة النظر إلى الوراء، وفي الوقت ذاته يفتح لنا كشافاً ضوئياً إلى الأمام، بمعنى أنه يريد أن يغترف من نبع الموروث الثقافي والصوفي والديني ويذهب إليه حيث هو، وهذا ما نستشفه في المقطع الثالث من هذا النص:

قسْ فراغكَ

دائِراً مثلً خذروفٍ في الفضاء.

لا يتوقف هذا عند فعل الذهاب فقط، لكنه ينبش بأظفاره في تجليات صوفية؛ ليعكسها بمداد قلبه على ورقة عذراء؛ لتفرض حضورها تحت لافتة الحداثة، مشبهاً ذلك بلعبة الخذروف التي تبعث على البهجة والسرور ((جرس خفي لإيقاع صاخب، مسموع، خطابي، واضح، مباشر، تخلقه عملية التخيل الممتثلة للقياس البلاغي، ملبية حاجة المتلقي))([17]).

فالشاعر استفتح النص بصورة خلقة الإنسان بدأ بالماء والسدر والمعاناة التي يلقاها ثم يشبهه في آخر النص بلعبة الخذروف التي تنتفض فترسل شعاعاً ضوئياً يمكن الاهتداء به.

2.1.2- التكرار المتدرج (الهرمي):

هذا التكرار هو أحد أهم أنواع التكرار فنية لما يحتاجه من قدرات شعرية تستلزم بناء شكلياً على شيء من التعقيد، يفضي إلى نتائج شعرية([18]) إذ إن ((هذا التكرار يسهم في تقوية الطاقة الموسيقية للنص))([19]). ويخضع هذا التكرار إلى هندسة هرمية تتوافر على قدر مهم من الانسجام والاتساق والمواءمة من خلال المفردة المتكررة، والاستثمار الكامل لهذا الانسجام والإيحاء المطلوب داخل البناء العام للنص([20])، نقرأ:

السُّكْرُ الصوفيّ

أقداحهُ وخمره من السَّراب

صحراءُ الصوفيّ

شساعةُ المدى في العين المغمضة

الصوفيُّ نفسُهُ

صانع سرابٍ ماهرٍ.([21])

يمثل هذا النص خارطة شعرية للقصيدة، تمثل السياق التكراري لمفردة (الصوفي) وحركتها الإيقاعية المختلفة على مساحة النص. فعندما تتصوف القصيدة ((تتقدم الصورة الشعرية أيضاً بإيقاع جديد نابع من غرابتها وعمقها وقابليتها على الإدهاش، على الرغم من أنها تبدو هادئة، حيادية، خالية من الحماس))([22]). فتدخل العالم العلوي المتسق مع روحها الدلالية الراغبة بالاتحاد مع المطلق من خلال رموزه النصية، حيث تتكاثف الذات الكاتبة مع الذات الأخرى، مع الذات الكونية، منجزة انحرافاً نسقياً يفجر شكلاً هرمياً يسهم في تطور إيقاعية النص الشعري وتعميق طاقاته الإيقاعية ((التي تقوم عليها قصيدة النثر وهي بنية ذاتية خاصة))([23]). فالسكر الصوفي في أول النص يشكل قمة الهرم ثم يندرج هذا البناء المعكوس من فوق إلى أسفل لتصل أقداحه وخمره إلى صحراء الصوفي التي تشكل وسط الهرم بشفاعتها إلى أن تصل الصوفي نفسه هذا الصانع الماهر للسراب والذي يشكل قاعدة رئيسة للشكل الهرمي المتدرج.

استلزم بناء النص بهذا الشكل تعقيداً وصل إلى نتيجة شعرية مهمة دفعت إلى الإيقاع الداخلي للنص حتى وصلت للتدخل مع دلالات (السكر، التصوف، الصحراء، السراب). وفق هذه الحركية تتشكل البنية الإيقاعية للنص.

3.1.2- التكرار الختامي:

يتألف عادة من جملتين أو أكثر تؤدي هذه الجمل الختامية دوراً شعرياً مقارباً للتكرار الاستهلالي من حيث المدى التأثيري الذي يتركه في صميم تشكيل البنية الشعرية للقصيدة ويكسر إيقاعها، غير أنه ينحو منحى تكثيفياً دلالياً وإيقاعياً يتمركز في خاتمة القصيدة([24]) حيث نطالع في قول الشاعر:

دعيني أحمُلكِ أحمُلكِ

لأستكين

يرعبني كم فكرةً تكسّرتْ هكذا

والنصّ يقضم أطرافه

أحملكِ وأمضي.

أحملكِ لأمضي

لكي أستطيعَ أن أمضي.([25])

منحت ألفاظ هذا النص فضاء موسيقياً؛ لتعيش بذلك الذات الكاتبة حالة شعرية مفعمة بالدلالة. دلالة التكرار (أحملكِ أحملك) فالثقافة العربية ثقافة إعادة وتكرار([26]). هذه الحالة من التكرار التوكيدي على حالة الحركة من أول النص، ويبدأ الشاعر في عرض تفاصيل النص الذي غدا جزءاً منه، إذ يمثل لديه المحبوبة التي يحاول التوحد معها في صورة تنم عن إبداع شاعر عرف كيف يخلق من كلمة روحاً من خلال إصراره على حمل ذلك العبء إلى عوالم خاصة به، تاركاً وراءه كل ما من شأنه أن يعكر عليه صفو الانتشاء؛ ليستكين وتهدأ دواخله بعد رحلة من العناء والخوف والندم على الوقت الذي مضى دون لقائه مع محبوبته؛ لذلك كان النص يقضم أظفاره، ولم يعد يحتمل فكرة الهجر؛ ليتحول النص إلى بؤرة أمان وخوف في آن معاً؛ ليتخذ في النهاية قراره المصيري الحاسم مع هذه المحبوبة عندما يقرر حملها والمضي نحو تخوم الداخل؛ ليأتي تكرار كلمة (أمضي) دليلاً قطعياً على عدم الرجوع لذلك الواقع، والبقاء في عالمه الخاص.

يشتمل هذا التوظيف التكراري (الختامي) الذي يبدأ بالتحديد والتمركز من خلال إنشاء هندسة لغوية فيها الكثير من الانتظام، وخضوعه للتكرار عملياً في (أحملكِ وأمضي)، وهي عبارة شعرية يمكن أن تكون عنواناً يفتتح به هذا النص ف(المضي) تفرع من عنوان داخلي (أحملك لأمضي) تلاحقت بتكرار أفقي متطور دلالياً من خلال تسلسل كلمات هذا النص. ثم ما يلبث الفعل المضارع الذي ختم به النص وتكراره ثلاث مرات حتى آخر النص معززاً بذلك التكرار الذي تعرضت له مفردة (أحملك)، مكرساً بذلك وضعاً إيقاعياً ودلالياً واحداً عبر نص شعري أقرب إلى النشيد. فهذا النص يستند إلى رؤية معرفية متكاملة للإبداع؛ فلغة الشعر لغة شعرية تتمثل في أن معظمها رمزي، مع أنه كان يمثل تجارب شعرية ربما عاشها الشاعر ذاته.

يشي إيقاع القصيدة بحالة التفاعل بين الذات الكاتبة وفكرة تخلق القصيدة التي تأتي كطيف خاطر وتذهب، ثم تعود مخلّفة قلقاً ذاتياً للحالة الشعرية التي تدفع بالشاعر إلى القبض على فكرته وحملها إلى تخوم الولادة، حيث يتمكن الشاعر من المضي في سبيل الكتابة، هكذا يتشكل إيقاع النص بين مراودة الفكرة وذهابها؛ فتشكل هذه الحركة الإيقاع الذي بنى به الشاعر نصه، والذي دعانا لقراءته بوصفه إيقاعاً مبيناً على شعرية التكرار الختامي.

2.2- إيقاع البياض والسواد:

يقوم البياض والسواد بدور أساس في النهوض بالدلالة العامة للمقطع وللنص ككل في بناء إيقاع داخلي لهذا النص الشعري ف ((البياض يسمع بانتظام الكلمات في أبيات خطية تمردت على سلطة البيت الصوتي، وآمنت بأولوية المعنى الذي أصبح محلقاً في فضاء الورقة كلها، ذلك أننا أمام علاقة جديدة بين البياض والسواد))([27]) لا تخضع إلا إلى إيقاع النص ودلالته، ليستعيد بذلك القارئ أنفاسه قبل أن يكون مضطراً أمام هذه السلطات سلطة (البياض والسواد) إلى القراءة من جديد، وهذا البياض يستفز القارئ، ويحفزه على النهوض بفعل إيجابي متمثل في الملء([28]). وهذا ما نقرؤه في قول الشاعر:

الكلماتُ

نارُها التي بلا لون

في شكلِ ألسنةٍ

استتار الخاطرِ

بكلّ عتمته التي تنبضُ

الاسم يضمرُ جسداً

قوْسُ القدْحِ الكبير

السرابُ بعضُ سقْطِهِ

بين جبلينِ

يحضنان الماءَ المهجور

جسدٌ من كلماتٍ من نارٍ من ألسنةٍ

ترقصُ يعمّده الماءُ المهجور.([29])

يهب هذا النص بياضاً أفقياً و آخر رأسياً يسهم في ضبط إيقاع النص وإنتاج دلالاته، تنعدم فيه الألوان لتصبح النار بلا لون تمتد ألسنتها ملامسة وهج الداخل الممتلئ بالمشاعر المختلطة، وعندها يستدر الخاطر حياء من تلك الألسنة التي تغزوه من دون أي استئذان تاركاً لها المجال، لعلها تكون قادرة على إضاءة مواطن الداخل، تاركاً فراغاً لعله يكون ذلك الجانب المضيء في داخله؛ ليتحول إلى جسد يتلاشى في ذلك البياض الذي يحول الجسد إلى سراب ووهم يولد ((انتقالة إيقاعية يؤديها البياض بين سوادين، وهي بمثابة صمت وتوقف تلهي فيه العين المتلقية لاستقبال سواد لاحق))([30]). فهو يتردد مثل صدى صوت مصموت، فيتحدث الشاعر في هذا المقطع عن القصيدة بوصفها كلمات تخرج من ألسنة تلك النار؛ لترقص في الأخير رقصتها التي لا تملك غيرها، فحاول وضع خيط ربط فيه بين الأضداد حيث ربط بين النار والماء إذ لا يمكن الجمع بينهما في التعبيرات اللغوية العادية. وعليه يكون الشاعر قد حقق بناء نص عبر فاعلية إيقاعية تجلت في لعبة الأسود والأبيض، الفراغ والامتلاء.

_______________________________________

[1]– إلياس خوري. دراسات في نقد الشعر، ص: 101.

[2]– انظر: يوسف نوفل. الصورة الشعرية واستيحاء اللون، ص: 195.

[3]– ابن رشد أبوالوليد. تلخيص كتاب أرسطو في الشعر ضمن (فن الشعر)، ص: 201.

[4]– أحمد المعداوي. أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث، ص: 24.

[5]– انظر: محمد غنيمي هلال. النقد الأدبي الحديث، ص. ص: 383. 394.

[6]– محمد صابر عبيد. القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية، ص: 70.

[7]– المرجع نفسه. الصفحة نفسها.

[8]– المرجع نفسه. الصفحة نفسها.

[9]– إبراهيم عبدالرحمن غنيم. الصورة الفنية في الشعر العربي: مثال ونقد، ص: 280.

[10]– يمنى العيد. في معرفة النص، ص: 98.

[11]– عبدالرضا علي. الإيقاع الداخلي في قصيدة الحرب: بحث مقدم إلى مهرجان المربد العاشر، ص: 5.

[12]– يمنى العيد. في القول الشعري، ص: 17. 18.

[13]– انظر: محمد صابر عبيد، مرجع سابق، ص: 186.

[14]. خذروف : جمع خذاريف وهو السريع المشي، وهو القطيع من الأبل المنقطع عنها، وهو الصحيفة المستديرة، تثقب من وسطها ثقبين، يدخل فيها خيط يمسك بالكفين وتدار فيسمع لها دوي. المنجد في اللغة والإعلام، مادة : خذرف.

[15]– عبدالمنعم المحجوب. كتاب الوهم، ص: 13.

[16]– انظر: محمد صابر عبيد، مرجع سابق، ص. ص: 188. 189.

[17]– حاتم الصكر. حلم الفراشة: الإيقاع الداخلي والخصائص النصية في قصيدة النثر، ص: 146.

[18]– انظر: محمد صابر عبيد، مرجع سابق، ص: 195.

[19]– الطيب هلو. بلاغة الإيقاع في قصيدة النثر، ص: 38.

[20]– انظر: محمد صابر عبيد، مرجع سابق، ص: 195.

[21]– عبدالمنعم المحجوب. كتاب الوهم، ص: 7.

[22]– محمد صابر عبيد، مرجع سابق، ص: 77.

[23]– المرجع السابق، ص: 72.

[24]– انظر: المرجع السابق، ص. ص: 189. 190.

[25]– عبدالمنعم المحجوب. كلما شع النبيذ، ص: 47.

[26]– هاني الخير. أدونيس: شعرية الدهشة وكثافة الكلمة، ص: 13.

[27]– محمد صابر عبيد، مرجع سابق، ص: 52.

[28]– المرجع السابق، الصفحة نفسها.

[29]– عبدالمنعم المحجوب. عزيف، ص. ص: 19. 20.

[30]– محمد صابر عبيد، مرجع سابق، ص: 50.

مقالات ذات علاقة

الشاعرة الليبية آية الوشيش: معانقة الحلم والسخرية من بشاعة الواقع..

المشرف العام

نجوى بن شتوان والقصة الساخرة اللاذعة

إنتصار بوراوي

زمن‮ ‬الرواية الليبية‮ ‬

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق