عرف بشاعر الوحدة، فأشعاره كانت بها سواء على المستوى المحلي، أو العربي، وربما كانت هي الموضوع الذي شغله عن غيره، يقول: أنا لم أقل شيئاً عن الحب، وإن أكن قلت فقد نسيته.
يغلب على شعره الصدور عن مناسبة دينية أو وطنية أو اجتماعية، يمتاز بسلاسة اللفظ وحسن التصوير، والميل للحكمة والفلسفة.
يقول:
إلا هبوا بني وطني وديني
نذب عن العروبة والعرين
ألا هبوا ألا اتحدوا ومدوا
يمينكموا أمد لكم يميني
ولا تهنوا فتنهزموا وتنسوا
عهوداً من وثائقها حنيني.
*
إنه الشاعر “أحمد قنابة”، واسمه الكامل “أحمد أحمد حسين قنابة”. نشأ من أسرة عريقة في الحسب والنسب، ذات شرف رفيع ينتمي إلى آل بيت الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، إذ تنحدر أسرته من أشراف مدينة (ودان)، ومن هناك انتقل بعض أفرادها إلى مدينة مصراتة وكونوا قبيلة عرفت باسم الأشراف، ولقب فرع من هذه القبيلة بأسرة (الشريف قنابة).
وانتقلت هذه الأسرة إلى محلة (النوفليين) في مدينة طرابلس، ومنها توجه جد الشاعر السيد (حسين قنابة) إلى بلدته ودان ومنها إلى أفريقيا، حيث اشتغل بالتجارة في مدينة (زندر) بالنيجر، حيث تزوج هناك وانجب أبناؤه الذين منهم والد شاعرنا “أحمد”.
وفي العام 1898، ولد شاعرنا “أحمد أحمد قنابة”، بمدينة (زندر) بالنيجر، أو ما يعرق بأفريقيا الجنوبية وقتها. بعد أشهرٍ من ميلاده، تعرضت المدينة للغزو الفرنسي، فغادرتها أسرته إلى مدينة (كانو)، وبعد ميلاده بأربع أو خمس سنوات من عمره، عاد والده إلى ليبيا حيث استقر بطرابلس. فهو إذن أفريقي المولد، ليبي الأصل والمنشأ.
ألحقه والده بمكتب العرفان، وهو أحد المدارس الشهيرة في طرابلس في العهد التركي، ثم التحق بالمكتب العسكري التركي، وكان يرغب في إتمام دراسته بتركيا، لكن ظروفه منعته من ذلك، فالتبمدرسة روما الإيطالية، حيث نال شهادة الصف الرابع باللغة الإيطالية، ليكمل من بعد دراسته في المعاهد الدينية، التي عاد إليها بعد انقطاع، بعد الحرب العالمية الأولى، فدرس بمدرسة عثمان باشا الساقزلي، ثم بمدرسة أحمد باشا. فدرس على أيدي مجموعة من العلماء الأجلاء: الشيخ عبالرحمن البوصيري، والشايخ الشاعر إبراهيم باكير، والشيخ احمد العيساوي، والشيخ مصطفى الخازمي، والشيخ حسين العالم، والشيخ عثمان القاجيجي.
في العام 1920، بدأ نشر قصائده الشعرية، بجريدة (اللواء الطرابلسي)، وهي لسان حزب الإصدلاح الوطني، طوال فترة صدورها، فكان ينشر بأسماء مستعارة: مسلم صادق، الشاب الطرابلسي، شاعر الوحدة.
شارك في إدارة وتحرير الجريدة، حتى أصبح عضواً مسهماً ومن رجالات حزب الإصلاح الوطني، ليشغل منصب مدرس في مدرسة الحزب، ونتيجة لدور الحزب والمدرسة التنويري، ونشر الوعي القومي، قامت قوات الاحتلال الإيطالي بإقفال المدرسة، فانتقل شاعرنا للتدريس بمدرسة (مكتب العرفات الأهلية). لكن سرعان ما قامت السلطات الإيطالية بتغيير التدريس إلى اللغة الإيطالية مما اضطر شاعرنا لترك التدريس، والاتجاه إلى التجارة.
في العام 1935 يعود الشاعر “أحمد قنابة” للنشر من خلال جريدة (الرقيب العتيد)، وجريدة (العدل). في العام التالي (1936)، يقوم صحبة بعض الأصدقاء فرقة مسرحية من طلبة مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية، وقدمت هذه الفرقة مجموعة من العروض المسرحية ذات الطابع التربوي، فتناولت بطولات التاريخ العربي الإسلامي، والكفاح الوطني الليبي، وكان شاعرن من يقوم على إعدادها وتأليفها.
في أواخر العام 1938، تم تأسيس إذاعة طرابلس، فاختير للعمل بها مذيعاً، فقدم عبرها عديد البرامج أهمها (ركن الأطفال)، الذي بث فيه المعاني السامية والروح الوطنية والقومية، واستمر فيها حتى 1943، عندما قام الإيطاليون بنسفها تمهيداً لانسحابهم من ليبيا.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان من المساهمين في تأسيس النادي الأدبي، والمشاركة في ندواته الثقافية. ليتولى رئاسته في أواخر 1945. كما أسهم أيضاً في تأسيس نادي العمال الثقافي.
في 1947 عين عضواً في اللجنة الاستشارية لنظارة المعارف بطرابلس.
في العام 1954 عين مديراً لمكتبة الأوقاف، حيث قضى بها بقية أيامه.
*
في الجمعة؛ 12 من شهر يناير للعام 1968، (12 شوال 1387 هجري)، توفى شاعرنا بمدينة طرابلس، ودفن في اليوم التالي في جنازة مهيبة سار فيه جمع غفير من المشيعين، يتقدمهم رجال الصحافة والأدب.
وفي ذكرى الأربعين لوفاته، تم استبدال اسم مدرسة المدينة القديمة للبنين، باسمه، مدرسة أحمد قنابة.
لم يقم في حياته بطباعة ديوان شعري، فاطلع لهذا العمل الباحث الدكتور “الصيد أبوديب”، حيث جمع شعر الراحل “أحمد قنابة”، وقدم له بدراسة عن الشاعر وفنه، تحت عنوان: (أحمد قنابة: دراسة وديوان).