قصة

سيرة الطفولة

نثيث

 

 أتباهى أمام أطفال القرية البائسة التي تكثر بها المقابر والأضرحة من حولي التي تحمل لها في نفسها سيوف الرهبة فالاقتراب منها بمثابة مشاهدة فيلم رعب في ليلة شتائية ممطرة يزمجر فيها الرعد الذي نخافه جميعاً ، الذي يجلب الغيلان من الدور المهجورة فتتراقص فوق القبور التي يطل عليها شبابيك المنزل فننام بلا عشاء وحلوق جافة مكومين حول بعضنا .

لا يبدد هذا الخوف سوى أذان الفجر وطرق الشمس بأشعتها على نافذتي المتهالكة من طول تعاقب المطر والشمس عليها وملاعبة الريح حين كل زيارة يحملها لنا العيد أو وفاة فرد من العائلة المنتشرة على أكثر من مدينة .

حين يزورنا عمي بأطفاله الستة ننحشر في غرفة واحدة يحكي كل منـا عن أجمل طرفــة وأغرب موقف مـر به ونروي قصة (سبع صبايا) بروايات مختلفة فنزداد رعبا . حين الصباح وتمام الثانية عشرة أقوم بالترحيب بأبناء عمي بطريقة يحبونها كثيراً ، أقطع حبال الغسيل وأربطها على أغصان شجرة الزيتون مراجيح دون أن أعبأ بتوبيخ أمي ، ثم نزور المقبرة وكأننا نزور عالماً آخر مملوءا بالرهب ، فنتهيب الكلام في حضرتها ، يصير حديثاً همساً خوفا من أن نخدش نومهم الطويل الذي يريبنا فننسج الحكايات حولهم ونتخطى القبور حفاة فذات مرة نهرتني أمي وأنا أدخل المقبرة بحذائي حين زرت معها قبر جدتي وهي تطليه بالجير كعادة قريتنا .

تمتلئ أقدامنا بالأشواك وتخدشنا أغصان الشجيرات التي نمت فوق القبور القديمة والتي يعتقد أبي أن أصحابها صالحون فنقبل الأغصان وكأننا ندين لأصحابها بالولاء .

نقضي القيلولة كلها في نزهة بين المقابر ، الحديقة التي أقدمها لأبناء عمي لما زارونا في الأعياد والمآتم   أيضاً فهي كل ما نملك في قريتنا البائسة .

مقالات ذات علاقة

رغيف خبز

حسن أبوقباعة المجبري

حزام الأمان

رشاد علوه

صار العالم أصغر

المشرف العام

اترك تعليق