استطلاعات

الرواية في الدراما.. لمن تكون الشهرة

تختلف آراء الأدباء والنقاد حول تحويل الأعمال الروائية إلى أعمال درامية، فمنهم من ينظر للمسألة على أساس افتقار صناع التلفزيون والسينما لسيناريو جيد، وهناك رأي آخر يعتبر أن تحويل الرواية إلى عمل سينمائي أو تلفزيوني أو حتى إذاعي سوف يغيّر من ملامحها ويخل بشكل الرواية نظرا إلى رؤية المخرج وكاتب السيناريو والممثلين، فهؤلاء قد تبتعد لمساتهم الخاصة عن رؤية الروائي.

رغم كل الجدل الذي تتعرض له الأعمال الدرامية أو السينمائية المأخوذة عن أعمال روائية شهيرة كرواية “الحب في زمن الكوليرا” لماركيز، وكتاب السيرة “طعام، صلاة، حب”، للكاتبة إليزابيث جيلبرت، فإن النتائج غالبا ما تكون إيجابية ولصالح الرواية، وسلبية بالنسبة إلى الفيلم.

أرشيفية عن الشبكة
أرشيفية عن الشبكة

ملاحظات وجدل

في ليبيا يمثل فيلم “الشظية” 1986 عن قصة لإبراهيم الكوني محاولة أولى لنقل الدراما إلى الشاشة. وقد حقق الفيلم نجاحا كبيرا نظرا إلى أهمية القضية المعروضة، وهي مشكلة الألغام التي زرعت في الأراضي الليبية إبان الحرب العالمية الثانية. وفي العام 1995 فازت قصة “سائق الشاحنة” للقاص عبدالجواد عباس بالترتيب الثالث في مهرجان القاهرة الدولي بعد تحويلها للتلفزيون.

وفي مصر هناك محاولات عدة نذكر منها مسلسل “بنت اسمها ذات”، المأخوذ عن رواية “ذات” للروائي صنع الله إبراهيم، ورواية “أفراح القبة” للروائي نجيب محفوظ، ورواية “دعاء الكروان” للروائي طه حسين التي سبق أن تم تحويلها إلى فيلم سنة 1959.

وفي الجزائر أيضا قدم التلفزيون الجزائري رواية “أسوار القلعة السبعة” للروائي محمد معارفية، وفيلم “نجم الجزائر” المقتبس عن عمل للروائي عزيز شواقي، وهذه النماذج وغيرها تفاعل معها المشاهد كثيرا، أما قارئ العمل الروائي فكثيرا ما تتداخل ملاحظاته كما حدث مؤخرا مع رواية “ساق البامبو” لسعود السنعوسي.

يقول الروائي المغربي مصطفى لغتيري، صاحب رواية “أسلاك شائكة”، والتي تم تحويلها إلى فيلم سينمائي بعنوان “الوشاح الأحمر“، إنه “من الصعب إطلاق أحكام مطلقة في هذا الصدد، فالعملية معقدة ومتداخلة، ومن الصعب الحسم في من هو المستفيد من تحويل الروايات إلى مسلسلات أو أفلام، فكم من فيلم حقق مجده على أكتاف الرواية والعكس صحيح ونذكر في هذا الصدد فيلم ‘مدام بواريق’ عن رواية بنفس الاسم لفلوبير و’اللص والكلاب’ لنجيب محفوظ و’ذهب مع الريح’ لمارغريت ميتشل، وغير ذلك الكثير مما يعز عليّ حصره، بل أكاد أزعم أن الكفة تميل لصالح الرواية لأن الكثير من النصوص الروائية أنقذت السينما في الكثير من الأحيان من الضحالة والإسفاف، بفضل ما يسمى سينما المؤلف التي ترقى بالذوق إلى مراتب عليا بعيدا عن العنف والإغراء المجاني وما إلى ذلك. الخلاصة أن التعاون الوثيق ما بين الرواية والسينما يصب في مصلحة الفنين معا”.

ويضيف الكاتب “أظن أن الأمر لا يتوقف على اللحظة الحالية بل هو مستمر في زمن التاريخ المشترك لكل من الرواية والسينما، وما يلاحظ هو التركيز الإعلامي على ذلك ممّا منحه زخما لدى الرأي العام، ولعل الانتقادات التي وجهت لتعاطي المخرجين مع الروايات عند تحويلها إلى أفلام نابعة أساسا من عدم الإلمام بالفروقات الدقيقة ما بين فنين يشتركان في أمور ويختلفان في أخرى، فهما معا يشتركان في انتمائهما لشجرة الفن الكبرى، إذ يعد كل منهما فرعا من هذه الدوحة العظيمة. ويشتركان كذلك في اغترافهما من الخيال والاهتمام بسرد الأحداث واعتمادهما على الشخصيات وغير ذلك مما هو معروف، لكنهما يختلفان في التقنية والأداء، فأحدهما يعتمد على الكلمة والآخر على الصورة، وطبعا تتناسل عن ذلك جملة من التقنيات المتباينة”.

أرشيفية عن الشبكة
أرشيفية عن الشبكة

ويرى لغتيري بخصوص تجربته في هذا الصدد، أنها كانت استثنائية وطريفة، إذ أن المخرج بعد استيلائه على الرواية تنكر له، رغم وجود عقد موقع من طرفه، فقد كتبت رواية “أسلاك شائكة” عن معضلة إغلاق الحدود ما بين المغرب والجزائر في تركيز على الجانب الإنساني، وسلم الكاتب الرواية مخطوطة بعد توقيع العقد للمخرج، وفي نفس الوقت الذي دفعها فيها للنشر فصدرت في كل من المغرب وسوريا، وبعد عام تقريبا ظهر الفيلم بعد حصوله على دعم المركز السينمائي المغربي بمبلغ كبير، دون أي إشارة إلى الرواية أو إلى كاتبها، بعد تغيير العنوان “الوشاح الأحمر” وتغيير أسماء الشخصيات.

ويقول ضيفنا “لكن بعد حدوث ضجة في الإعلام ادعى المخرج بشكل عبثي أنه كتب السيناريو وسلمه لي لكتابة الرواية وأنكر وجود عقد، لأنه كان قد احتفظ به في انتظار أن يسلمني نسخة منه، غير أنه تماطل لنية مبيتة في نفسه، ولكن خلافه مع مدير الإنتاج دفع هذا الأخير ليرسل لي نسخة من العقد موقعة من طرف المخرج، انكشفت اللعبة. إنها حقا قصة تستحق أن تكون سيناريو فيلم”.

انتشار أسرع

من جانبها توضح الروائية المصرية بسمة عبدالعزيز صاحبة رواية “الطابور”، التي سيتم تحويلها لفيلم سينمائي أجنبي، أنها لا تتفق بشكل كامل مع الرأي القائل بأن تحويل الروايات إلى دراما لا يكون في صالح العمل الرامي غالبا، وتضيف “بعض الروايات تحولت إلى أعمال درامية شديدة التميز والروعة، وعن نفسي أحببت جدا رواية ‘القاهرة الجديدة’ التي تحولت إلى فيلم ‘القاهرة 30’، كما أن عددا من أعمال نجيب محفوظ تحول إلى دراما شديدة الثراء، لم تأخذ من قيمة ومكانة الرواية، بل ربما أعطتها بعدا إضافيا. أظن الأمر مرتبطا إلى حد كبير بقدرة القائمين على العمل على هضم الرواية جيدا وإخراجها في صورة درامية مشبعة ولا تتسم بالسطحية”.

وتعتبر ضيفتنا أن الإقبال الشديد على الرواية بعد تحويلها إلى عمل درامي أمر طبيعي جدا، فالأفلام بطبيعتها تنتشر بقوة أسرع مما تنتشر الأعمال المكتوبة، والصورة بوجه عام تؤثر في المتلقي أكثر مما تفعل الكلمة، ومن المنطقي ألا يسمع الناس عن رواية إلا بمناسبة تحويلها إلى شكل من أشكال الدراما. فيقبلون على قراءتها وربما يتصورون أنها أكثر جودة من الروايات الأخرى أو أكثر جاذبية لهذا السبب.

وبسؤالها إن كان من حق كاتب سيناريو الرواية أن يضيف أحداثا وشخصيات وفق رؤيته، تجيب عبدالعزيز “أظن أن هذا الأمر يعود في المقام الأول إلى ما يتفق عليه الطرفان، فأحيانا ما تكون هناك رؤية للسيناريست تدعم العمل المرئي ولا تنتقص منه وأحيانا أخرى يحدث العكس.. عن نفسي لا أشعر بإساءة إذا جرى الأمر بالاتفاق والتشاور. لكني لا أوافق بكل تأكيد على حذف أو إضافة شخصيات بشكل يجور على العمل ويخرجه في صورة لا ترضيني ككاتبة”.

______________

نشر بصحيفة العرب

مقالات ذات علاقة

هل تحولت كتابة الرواية إلى موضة؟

المشرف العام

العجيلي العبيدي: فالفن أكبر من أن تحويه شاشة إلكترونية!!!

رامز رمضان النويصري

الفصول الأربعة تسأل: لماذا عجز الأدباء والكتاب الليبيون عن تنظيم أنفسهم، وإعادة رابطتهم، وخلق صوت موحد لهم؟

خالد درويش

اترك تعليق