في العقود الأخيرة صدرت الكثير من الكتب ،التي تروى السيرة الشخصية لكثير من الأدباء العظام الذين كتبوا أجمل وأروع، الكتب الأدبية في مجال الشعر والرواية والقصة وكشفت تلك الكتب عن جوانب مظلمة، ومعتمة لأولئك الأدباء مما جعل الكثيرين يتوقفون عند تلك الازدواجية ،بين جمالية الكتابة الإبداعية وواقع الحياة الشخصية والسيرة الذاتية للأديب التي قد تكون متناقضة معها.
فمثلا الأديب جبران خليل جبران، الذى كتب أروع الكتب وأجملها بروح صوفية عالية وحس إنساني نوراني جعله يتمازج ،مع إحساس وروح الأديبة “مي زيادة” الرائدة في مجال الكتابة الأديبة والفكري، كشفت السيرة الذاتية والرسائل الغرامية التي نشرت له بعد وفاته بعقود، بأنه لم يكن بتلك الروح النورانية التي تدعو للصدق والوفاء فلقد كانت له علاقات، متعددة مع نساء أخريات غير مي زيادة في نفس الفترة الزمنية التي كان يتبادلان فيها الرسائل ،وليس كما كان يوهمها في رسائله بأنها ملاكه الحارس وشغفه الأوحد ، وكشفت رسائل أخرى عن علاقة جنسية له بعازفة بيانو ايرلندية ،فهل كان جبران في كتابته مخادع لا يؤمن بما يكتبه بروح صوفية وظل يوهم مي زيادة بحب نوراني ،بينما هو منغمس في علاقات متعددة؟
وفسر من أصدروا تلك الكتب التي نبشت، وراء العلاقات المتعددة له بالنساء بأن جبران كان يرى في علاقته بالكاتبة” مي زيادة” مصدر للكتابة والوحي والإلهام ولم يكن فعلا يحبها بالشكل المبالغ فيه المذكور في رسائله.
كذلك نبش البعض خلف الحياة الشخصية للشاعر التشيلي الكبير بابلوا نيرودا الحائز على جائزة نوبل للسلام والذى كتب آلاف قصائد الحب العذبة ،والتي تنبئ عن شخصية عاشقة ومحبة للمرأة، وكشفوا من خلال تقصى سيرته الحياتية بأنه قام باغتصاب امرأة في بداية حياته ،وكذلك أنجب ابنة من عشيقته ماتيلدايوريتا لم يعترف بها البتة حتى وفاته و لقد كان كشف هذه الأسرار، الشخصية لشاعر الرقة والعذوبة وحامل لواء قيم العدالة الإنسانية في قصائده ، بمثابة صدمة للقارئ لهذا رأى أخرون بأنه ليس هناك فائدة من معرفة الحياة الشخصية للأدباء والركض وراء كشف أسرارهم الخاصة بعد وفاتهم.
كما أن النقاد انقسموا في تفسير الفصام، بين القيمة الجمالية لنتاج الأدباء والبحث عن الحقيقة والصدق في كتابتهم لدرجة، قد تتعارض القيمة الجمالية مع القيم الإنسانية الفعلية في مواقفهم وما كشفته سيرة حياتهم التي يرى البعض بأنها لا تلغى قيمة كتاباتهم
يقول رومان ياكوبسون “هناك تقابل يؤطر المشكلة المتصلة بالحقيقة الشعرية وفى اللغة التوصيلية يثار سؤال الحقيقة ،إن استقبال منطوق وظيفته التوصيل يلازمه التساؤل عما إذا كان هذا المنطوق الذى تلفظ به المتكلم قد حدث فعلا أي سيتساءل مستقبله عما إذا كان محتوى المنطوق صادقا أم كاذبا أم مبهما أم محض تخييل غير أن مفاهيم كالصدق والوهم والكذب والادعاء ،لا تلائم النصوص مادامت المفاهيم تفترض سلفا قيمة الحقيقة، والنصوص الأدبية لا تحتاج إلى قيمة الحقيقة في الأدب حين تسود الوظيفة الجمالية ليس للسؤال عن الصدق أي معنى”
وبهذا المعنى فإن القارئ يولى أهمية كبيرة للنص الأدبي، ولا يهتم كثيرا بالنبش وراء الحياة الشخصية لكاتبه ليكشف مدى صدقه أو كذبه، كما يفعل من يصدرون كتب متلصصة عن حياة الأدباء بعد وفاتهم فكل ما يهم، القارئ هو النص الأدبي وقيمته المعرفية والجمالية أما نبش الحياة الشخصية، للأدباء واللهاث وراء نقاط ضعفهم أو أخطاؤهم الحياتية فهي لا تفيد القارئ في شيء لأن ما يهمه هو القيمة الجمالية والمعرفية للمنتج الإبداعي.