الفنان التشكيلي عادل جربوع.
تشكيل

في تجربة التشكيلي الليبي عادل جربوع .. خصوصية ليبية وانفتاح عالمي

الفنان التشكيلي عادل جربوع.
الفنان التشكيلي عادل جربوع.

عادل جربوع .. شاب ليبي من مدينة بنغازي .. هوايته الرسم ولا شيء غيره .. عشق الفن منذ طفولته .. وتفرغ له تفرغا تاما .. تفرغ الناسك لعبادته .. لا تراه إلا مهموما بهذا الفن .. متحدثا عنه .. أو عارضا للجديد منه .. أو باحثا عن أشياء تتعلق بالتشكيل سواء مواد أو كتب .. لا يمر معرضا في بنغازي إلا وتجد الفنان عادل أحد المشاركين فيه أو المشرفين عليه .. يمد يد العون للمواهب الجديدة .. ويتعاون مع كل الفنانين المخضرمين أو السائرين في طريق النجاح .. يساهم بشكل كبير برسوماته في كل المطبوعات بالجماهيرية .. لوحاته المعبرة تجدها رفقة القصص والأشعار والمقاربات النقدية المنشورة في مجلة الثقافة العربية أو في جريدة أخبار بنغازي .. لجربوع أيضا نشاط مميز في تصميم الشعارات والملصقات وفي بناء ديكورات المسرحيات وقد نال عدة جوائز عن ديكوراته المميزة التي عندما تشاهدها تدخل بكل سهولة لفهم العرض والتعاطي معه وتذوقه بمتعة .. صمم العديد أيضا من أغلفة الكتب وساهم في تأسيس عدة صالات عرض للفن التشكيلي مثل صالة السلفيوم بمجلس الثقافة العام .. وهو من الفنانين غير المتقوقعين على انفسهم والضنينين بوقتهم .. فوقته الثمين يمنحه للجميع بكل أريحية ولا يمر نشاط تنظمه أي مؤسسة ثقافية أو أهلية إلا وتجد الفنان عادل قد حضره وساهم فيه .. فنان يستلهم تراث المدينة العتيقة ويترجمه إلى إبداع ذي صبغة عالمية .. تجد في مكوناته كل المدارس التشكيلية المعروفة .. ونجده واضحا انحيازه إلى الرسم السوريالي حيث يمنح خياله عند اقترافه لهذا النوع من الرسم مساحات شاسعة من حرية الخيال .. في لوحاته نقرأ تاريخ الحياة داخل الروح .. نقرأ المعاناة والعذاب .. نشعر أن ألوانه المندلقة بفن على ظهر اللوحة هي دماء ودموع وألم حولتها اللوحة عبر مواساتها للألم الإنساني إلى أمل وفرح وسعادة وراحة.

الكاتب محمد الأصفر صحبة الفنان التشكيلي عادل جربوع.
الكاتب محمد الأصفر صحبة الفنان التشكيلي عادل جربوع.

الفنان جربوع يقرأ كثيرا .. يقرأ الأدب بوجه خاص .. نرى الروايات تحوم فوق ظهر اللوحة ونرى القصائد تغنيها حناجر الألوان .. ونرى القصص القصيرة وهي تخربش نفسها بشعيرات نحيفة رهيفة زارعة دهشة مثيرة في نفوس الرائين .. في لوحاته أفكار طازجة حية لم تجردها الحياة ومشاكلها من معانيها .. نرى غابات متشابكة مضيئة لا يضيع فيها الإنسان حتى لو أقفل عينيه .. لأن القنديل في قلب اللوحة زيته لا ينضب .. في لوحة أحلام شرقية تدهشنا الفانتازيا .. تدهشنا المرأة الملونة والرحم المستدير والأمواج التي بلون قزح .. والدوائر والمثلثات التي تستدعي لنا أساطير ليبية قديمة مثل المؤلهة تانيت .. تدهشنا أيضا الأقمار الخضراء .. والنجوم الصفراء .. والألسنة الحمراء المتكلمة بلغة النار والدم والمنتشرة في عدة أجزاء من اللوحة لتخبرنا بأن الحياة ليست ربيع فقط .. في لوحة تراثيات نجد العلامات الليبية وتكوينات الموروث الليبي القديم من مشغولات ومنسوجات وقد أطلت لنا مزدانة بنكهة عالمية .. نرى من خلالها فنانين كبار أثروا موهبة هذا الفنان بالكثير ورفعوه إليهم كبيكاسو وسلفادور دالي ومارغريت وماتيس .. لوحة بها جمال وسجاجيد وأكاليم وشبابيك وألوان ليبية نراها في أفراحنا وأتراحنا عاشها الفنان طفلا وانتقلت معه عبر الزمن لتولد من جديد في حياة فنية جديدة لا يتحكم فيها ملك الموت البيولوجي .. أما لوحة خراريف ليبية تتطاول أذنان إلى أعلى لتوشوشان إلى بعضهما خراريف ليبية تجلب النوم الهانئ للأطفال والتفكير والحيرة والمغزى للكبار ويتضح في هذه اللوحة بالذات انحيازه للسوريالية بشكل كبير والإبداع هنا في هذه اللوحة هو توظيفه للعلامات الليبية الأسطورية القديمة ذات التأثير في الذاكرة الشعبية مثل الخميسة والعين والهلال والنجمة والنوافذ المعبرة على الحرية .. فعلا في هذه اللوحة عندما نتأملها جيدا نشعر أن خرافات أو حكايات رائعة تصل إلى أرواحنا عبر سارد اللوحة الكامن في أعماقها .. عدة أشكال منتشرة في اللوحة لا نستطيع أن نصفها بالمسوخ لكن نسميها أشكالا إبداعية هلامية تتطاول كالمطاط لتصل بحكاياتها إلى أبعد مدى ممكن .. حيث تعتبر العالم خارج اللوحة وخارج الممارسة الفنية عالم أصم يحتاج إلى جرس تشكيلي كي يوقظه ويجعله يبدع في هذه الحياة.

من أعمال التشكيلي الليبي عادل جربوع
من أعمال التشكيلي الليبي عادل جربوع

عادل جربوع فنان ليبي كبير متمكن من أدواته .. صقل موهبته بعرقه وعمله الدؤوب وسهره الليالي الطوال أمام اللوحة من أجل تجويد خلقها .. فاللوحة لديه يعتبرها روحه وأغلى من روحه فلا يطلقها لفضاء العالم المجهول إلا بعد أن يزودها بكل ما تحتاج إليه من حياة ومال وفن ودفء .. فحرصه عليها أقوى من حرصه على نفسه التي يقتلها رويدا رويدا بالتدخين والسهر.

عادل جربوع فنان استفاد دون شك من الفن التشكيلي العالمي واستفادته لم تخلق منه فنان يحاكي الماضي .. إنما فنان مجدد مطور .. يستفيد من القريب ومن البعيد .. يعجن الأزمان والأمكنة .. ليستخرج منها روحا جديدة تنتمي إليه وحده .. هذه الروح هي لوحته التي لا يمكننا أن نخمن ماذا ستكون غدا أو بعد غدا .. ففي كل دقيقة يغادر هذا الفنان محطة ليتوقف برهة في أخرى قبل أن يطير بعيدا باحثا عن أسطورته التي كي يكون فنانا لابد أن يتفهم ضياعها الدائم منه .. عادل جربوع هو الفنان عادل جربوع ولا يمكننا أن نطلق عليه سلفادور دالي الليبي أو غيره .. لأن خصوصيته الليبية ثابتة وتأثره الطفيف بالفن العالمي عبارة عن قشرة خادعة فبقليل من التمعن ستنزاح هذه القشرة وسنرى اللب الناصع الغائص في خصوصية فن هذا الشعب العظيم الضاربة جذوره الإبداعية في أ‘ماق التاريخ السحيقة .
تقول عنه الكاتبة الليبية المبدعة شبه المتخصصة في الفن التشكيلي لينا العماري:
“في تجربة عادل جربوع ، لا يمكن الفصل بين ما هو قديم وجديد ، فبقدر ما تنطلق لوحته من تراثها الشعبي ، نجدها في الوقت ذاته ثرية بمخزون ثقافي عالمي ، نتيجة تأثرها بمدارس الفن التشكيلي العالمية . ولعل الانجذاب الأكثر وضوحا يبرز من خلال طغيان آلية الرسم السريالي . وكأنه عبر استعمال هذا الأسلوب يطمح إلى أن تكون حركته داخل فضاء اللوحة أكثر تحررا . ليقودنا إلي تجربة بصرية موسيقية ، عبر مفردات شعبية من المعتقد أنها تطرد الروح الشريرة , و تحمينا من الحسد كالهلال و الحويتة و الخميسة “.

 

مقالات ذات علاقة

تجارب مضيئة في مدونة التشكيل الليبي المعاصر

عدنان بشير معيتيق

الكرسي الأبيض

المشرف العام

دراسة ليلة النجمة للتشكيلية الليبية نرجس الصيد

عبدالحكيم الطويل

اترك تعليق