قصة

قَيْلُولة

(المدينة القديمة) من أعمال التشكيلي الليبي عبدالجواد المغربي
(المدينة القديمة) من أعمال التشكيلي الليبي عبدالجواد المغربي

1

نهار قائظٌ.. قريتنا تلبس ظِلَّها.. الجدران تُصدر وَهْجًا.. البوزنِّيْن يئزُّ تحت حوافِّ السقوف.. الكلاب تغمس أجسادها في الماء الْمُتسرِّب من الْخَزَّان الكبير.. تنفض آذانَها بفرقعة لتطرد الشِّعْران.

2

الحاج “الصاوي” يبخُّ الماء أمام دكَّانه.. يُغَطِّي الخضروات بشوال مَبْلول.. يجلس على فراش الإسفنج حريصًا على لَمْس الزُّلَّيْج بقدميه الحافيتين.. يطقطق سبحته.. يتثاءب.. بجانبه قطَّة بيضاء تتمدَّد في ظل الباب بالقرب من بلَل الشُّوال.

3

البَقَّال يفتح كَرتونة الحليب.. يلتقط الورق المُقَوَّى الفاصل بين العُلَب.. يستخدمه مروحة.

الجزَّار يرشُّ الملح على القرْمة.. ينشُّ الذباب.. يَلْعَن سنسفيل الصيف:

– قال لك الصيف ضيف!

الصَّبي الذي يبيع السجائر في زاوية الشارع يحكُّ باطِن قدمه.. يفحُّ مُغَضِّنًا وجهه.

4

في مَوات القَيلولة تظهر “سعْدَى”.. شال أسود مُخَطَّط بالأحمر.. جلباب زَيْتيٌّ.. سبَّاط أَحمر.. يُطرقِع حين يرتفع عقبه ليصفع قدمها.

5

نغم السبَّاط يفتَضُّ القيلولة.. تَمدُّ يدها لتُسَوِّي الشال.. تَبْرق الحِنَّاءُ في كَفِّها.. ترفع الكلاب أُنوفَها.. تُدير القِطَّة رأسها.. تتوقَّف حَبَّات السِّبْحة.. باب المجزرة يُحدث صريرًا.. في البِقالة تنكسر زُجاجة زيتون.

6

الجَزَّار يرفع السِّبْسي بين إصبعيه مُخاطِبًا صبي السجائر من بعيد:

– وَلعة.. نار.. نار!

يُلَعِّب الصبي حاجبَيْه.. يقَهْقه.

يقف الحاج (الصاوي).. ينهَر الجَزَّار:

– عَيْب.. الحياء زينة.

يلتفت إلى الصبي.. يَهزُّ سَبَّابته في وجهه:

– تحَشَّمْ يا فَرْخ.

7

تتجاوزهم “سعْدَى”.. تُدير لهم ظهرها الذي تتأرجح فوقه ضفائر سوداء مع احمرارٍ في أطرافها مندلِقةً من تحت طَيَّة الشال.. تغيب في زاوية الشارع.

… الجزَّار والبَقَّال يتغامزان.. فقد كان الحاج الصاوي يُطقطق سبحته على إيقاع السبَّاط الذي لا يزال عالِقًا في سراب القيلولة.

***

(2007)

مقالات ذات علاقة

باص باص باص

حسن أبوقباعة المجبري

الـضَّـمـَّة

أحمد يوسف عقيلة

البشـكليـطة*

عزة المقهور

اترك تعليق