قصة

من قمة جبل أكاكوس إلى نيويورك .. الجزء الثاني

منظر لقطيع من الأغنام في أكاكوس (تصوير: أسامة التيني)
منظر لقطيع من الأغنام في أكاكوس (تصوير: أسامة التيني)

جلس الابن الأكبر أمام والده الحاج امغار وسلم عليه بكل احترام وأدب، لحظات وصلت وسلمت عليه والحديث كله كان الاطمئنان على صحته وأحوال غات والعوينات والناس هناك..

كان يهرول ويهش الأغنام أن تجري حتى يصل النجع الصغير بسرعة، وكل همه الحصول على ما جلب أخيه من تموين، وأي حاجة مخصصه له. وصل وأدخل الأغنام إلى مكانها المعتاد، الشعبة أو الزريبة واطمئن عليها…

صاح قبل أن يجلس ويصافح أخيه: السلام عليكم، الحمد لله على السلامة، وسلامتك من الطريق. واحتضن أخيه بقوه لأنه مشتاق إليه وسئلوا بعضهم عن أحوالهم وكيف الرعي وحال الأغنام والرعاة الآخرين من النجوع في المضارب الأخرى..

أراد الأخ الأكبر أن يفاجئ أخيه الأصغر وأبيه، أشعل الأخ الأصغر نار الطلح من أجل إعداد الشاهي الأخضر، وذهب الأخ الأكبر إلى السيارة وقام بوضعها قرب البيت الذي توجد به الوالدة، وأنزل العفش وما جلب من تموين من مدينة غات..

قام الابن الأصغر بإعداد الشاي، وفاحت رائحته في أنف أخيه وقال: الله من فترة لم أشم هذه الرائحة الطيبة.

وضعت الوالدة طبق من سعف به تكمارين، وتعني بلغة الطوارق الجبنة أو جبنة الكشك، وهي عادة عند الطوارق تقدم مع الشاي بعد أن تقطع إلى قطع…

مد إلى أبيه طاسة الشاهي، ثم أخيه ثم الوالدة، ورشف الأخ الأكبر رشفه وصاح: الله كاس وان تيدت! أي طاسة شاي صح منذ فترة لم أتذوق مثلها، شاي على نار الطلح.. شربوا الشاي وأكلوا التكمارين …

وقف الحاج امغار أمام بيت الضيافة، وأراد أن يتجه إلى الأغنام وخطى خطوات حتى لحق به ابنه الأكبر، وسار معه بخطوات بطيئة وهناك شي ما بخاطره يريد البوح به، بعد أن اطمئن الحاج امغار على ثروته من الأغنام عاد على نفس الخطوات مع ابنه..

منظر لعائلة في أكاكوس (تصوير: أسامة التيني)
منظر لعائلة في أكاكوس (تصوير: أسامة التيني)

سرعان ما قال له: ابااا (أي أبي).

فرد: نعم.

وأحس امغار أن هناك كلام يريد أن يسمعه من ابنه، وتوقف عن المشي من أجل أن يسمع ما يريد قوله له الابن بكل شوق .. فقال الابن: يا ابااا إن الكتيبة التي أعمل بها تريد مجندين جدد، وقد حان الوقت لأخي الأصغر أن يعتمد على نفسه، من أجل أن يتحصل على مرتب شهري من الدولة ويساعدنا على الحياة.

فرح الحاج امغار بكلام ابنه، وان حال الولد سوف يتغير، ورد: لا مانع عندي، ولكن هل سيوافق أن يعمل في الجيش؟

– أسئلة؟

وعلى بركة الله ذهب الحاج إلى الوضوء لصلاة المغرب، واتجه إلى مسجده، وهو عبارة عن حجر مربع ومحراب.

جاء وقت العشاء وأشعلت النار مرة أخرى للشاهي، ووضع العشاء أمام الحاج امغار وأبنائه، وقالوا بسم الله هيا نتناول العشاء، وأكلوا وشربوا الشاي، وفجر امغار لابنه الأصغر قنبلته: هل تريد أن تعمل في الجيش مثل أخيك؟

فرحت عيناه ورد بدون تفكير: نعم نعم ريد!!!

فرد أخيه الأكبر: جهز نفسك للسفر معي بعد أربعة أيام، من أجل إتمام الإجراءات الرسمية.

وفرح فرحة كبيرة، فهو سوف يترك حياة الصحراء والرعي، ويكون له مرتب شهري وأخده الخيال إلى شراء راديو وساعة ومصباح إضاءة وغيره …

يتبع …

مقالات ذات علاقة

أنا و أشياءٌ أخرى لا تهتمُ بي

محمد النعاس

نكوص واندثار

المشرف العام

موسم الخرافة

كريمة حسين

اترك تعليق