الذكرى الـ13 لرحيل الكاتب والمفكر الليبي علي فهمي خشيم
علي فهمي خشيم
يحلو الغِناءُ ويحلو اللحنُ والسَّمَرُ
فنحن في درنةَ الفيحاءِ .. يا قَمَرُ
شعشعْ بنورِكَ أقداحاً معتَّقةً
من قبل أن تُخلقَ الأزمانُ والعُصرُ
لا تَسْألِ العذْرَ للقداح مُتْرعةٌ
من ذا تراه عن الأقداح يعتذر؟
إِن انْتشيَنا فلا لوم، ولا عَذَلُ،
ومن يلوم الندامی إِن هُموُ سَکرُوا؟!
وإِنْ سَكرِنْا فَمِنْ أطيابِ فاتنةٍ
وإِن صدَحْنا فنعم الصدحُ والسَّكرُ!
فارْسلْ أشعَّتك البيضاءَ تَّسْحَرنُا
فقد تساوى لدينا السِّحرُ والسَّحرُ
هَدْهِدْ بكفِّ السَّنا أحلامَ غافية
على الوسادَة يكسو خدَّها الخَفَرُ
ولاعب البرُعُم المجنونَ مرتعشاً
يكاد من حُرقة الأشواق يستعر
وداعبِ الشَّعْرَ فوق الجيد منحدراً
كثَّ المنابت كالشلاَّل ينحدرُ
واحذر إِن استیقظتْ من فتك مقلتها
تلك العيون “التي في طرفها حَوَرُ”
هذى الروابي التي ترنو مُدلَهةٌ
باليمٌ يحضنها طوراً وينحسرُ
كم شاهدتْ من فلولِ الجيشِ منهزماً
يغزو فيرتدُّ، مقهوراً، ویندحرُ
وكم توالت على هاماتها حُقُبُ
وكم تراءتْ على جنباتها الصَوَرُ
مُذْ جاءها الصَّحْبُ- مُلقاةً أعَنَتُها –
على الجياد ، فما هانوا ولا انتظروا
هنا استماتوا.. هنا كانت مشاهدهم
هنا استقرُّوا مناراتٍ لمن نظروا
*
ناغيتُ فيكِ الرُّوى يا أخت أندلس
والروحُ رفاَفة والدمعُ ينهمرُ
ياللمفاتيح! مازالت تذكّرنا
بأن فينا بقايا م الأُلي عبروا
هناك .. عند مغيب الشمس جنتنا
تظل ذكرى تناجينا بها السير
توارثْتها الأيادي ، مثلما ورثتْ
عن ابن زيدونَ ما أوْحَى به الخَبَرُ
من نسلٍ ولّادةَ الغيداء ما برحت
بها الصبايا تَهادَى والشذى العَطرُ
لكنَّ قُبْلتها تعصى فلا أملُ
للمشتهين .. ويكفي عندها النظر!
*
یا درنةَ الفوح .. کم تاقت جوانحنا
إِلى لقاء وإِن طال بنا السَّفرُ
نهفو إِليك كما يهفو الفتّى دنفاً
إِلى حبيبه، يرجو وينتظرُ
الله! ما أروع اللقيا وأعذبها!
بعد التنائي، سويعات هي العُمُر!
أبناؤك الغُرَّ ما كانوا سوى نفرٍ
إِلى المعالي خفافاً طالما نفروا
لا يصبرون على ضيمٍ ومظلمةٍ
لكنهم في الرزايا الصُّلبُ الصُّبرُ
أهل النُّهى والنُّدى .. زانت شمائلهم
طيبُ المكارم في الآفاق تنتشرُ
ما رنَّةُ العود إِلا في مرابعهم
ولا الترانيم إلا بعض ما نشروا
صاغوا من الفنَّ ألواناً مزخرفةً
فأبدعوا وأجادوا صوغَ ما ابتكروا
*
همسُ الجداول شدْو .. والسُّرى نَغَمُ
وهبَّة الريح عزفُ، بثَّه الشجرُ
والموجُ لحنُ هوی باتت تردّده
تلك الجبالُ إِذا ما دندن الّوترُ
*
تلومني في هواها .. أيها القمرُ؟
أم غيرة تلك تخفيها وتستر؟
تَغَارمني .. لأني جئتُ ألمحها؟
ومنك عَبرْ الليالي يَسْعدُ البصر؟
هَوّنْ عليك ، فإِني ما علمت فتى
يناظر البدر، مغروراً، وينتصرُ
واسكبْ شعاعك في أقداحنا فرحاً
فقد حلا اللحن والأنغام والسَّرُ!
الفصول الأربعة | رقم العدد: 86، 01 أبريل 2001م.