يحيى القيسي | الأردن
يبدو أن التسلل ليس مقصوراً على لعبة كرة القدم ، الذي سرعان ما تفضحه صافرة الحكم وهو يراقب الساحة الواسعة للملعب بعين دقيقة ، بل يمكن أن يحدث في عالم الكتاب أيضاً ، وغالباً ما يكون من الصعب إعادة الأمور إلى نصابها ، أي طرد المتسللين ، وذلك بسبب غياب الحكام ، وهم في هذه الحالة من النقاد والأدباء المعروفين ، ناهيك عن طغيان النقد الإخواني والشللي والمصلحي ، وأحيانا كثيرة الإقليمي والطائفي والجندري وما إلى ذلك من التصنيفات التي ترفع وتذل من تشاء ، وهكذا يضيع الأدباء الحقيقيون بين طوابير من أنصاف الكتاب ، وقليلي الموهبة ، والمدّعين،
والغريب أنّ بعض هؤلاء الشباب يقع تحت سطوة الصورة النمطية التي رسختها المسلسلات والأفلام العربية عن الأديب وشكله ، وتورط بعض الكتاب أيضا في التقيد بها ، فالبعض يعتقد أن إطالة الشعر ، وعدم الاستحمام لأسبوعين متواصلين ، والتدخين المتواصل بعصبية ، والذهاب الى حانة مخصوصة يرتادها بعض الكتاب المعروفين ، وشرب القهوة السادة ، وعدم حلق اللحية لأيام متواصلة ، والتشدق بعناوين بعض الكتب ، أو استخدام بعض العبارات لمفكرين معينين ، خلطة سحرية تقود إلى الاعتراف به ، والتماهي مع بعض الكتاب الذين يفعلون ذلك ، ولا مانع طبعا من إظهار الجانب الإلحادي بين الحين والآخر عبر سبّ الذات الإلهية مثلا بمناسبة أو بدونها كدليل على التمرد والجرأة والاختلاف عن الآخرين ، أو القطيع كما يسميهم غالباً..،
من الضروري أيضا حمل كتاب ما أثناء مقابلة الأصدقاء في المقاهي أو زيارة المحرر الأدبي في جريدة ، وأذكر أن كاتبا شابا ، هجر الكتابة إلى الأبد ولم يعد أحد يتذكر اسمه الآن ، كان يحمل معه دائما أينما حل وسار رواية “فئران الأنابيب” ، وهي رواية ضخمة تقارب صفحاتها الخمسمائة ، وكنت ألتقية والروائي الصديق هاشم غرايبة في مختبره أحيانا أو في رابطة الكتاب بإربد بداية التسعينيات ، وكان يحدثنا عن مشاريعه الأدبية المستقبلية ، والتي لم يصدر منها شيء لاحقا ، وكنت أتساءل في داخلي كلّ مرة أراه فيها متى يكمل قراءة هذه الرواية.
على الكاتب الشاب، كما يبدو، أن يكون محتاطا على مجموعة من المفردات التي يستخدمها المثقفون والكتاب بين الحين والآخر ليبثها في الجلسات والحوارات، وأحيانا في كتابته لتدل على عمق تجربته، مثل: مأفون، جميل، بياض، خطير، نوارس، حذاء، حقير، تافه، دهشة، تمرد، منحط، صراع، تقنيات، تكتيك، نزق، باهظ، الخ، ويمكن خلطها أحيانا مع جمل أخرى حسب الحاجة بمقادير مختلفة.
عليه، أيضاً، أن يكون معارضا “على طول”، فإن قال أحد في الجلسة إن “فلان” مثلا شاعر كبير، تكون الفرصة مواتية له بالاعتراض، وتحويل وجهة الحوار، بالتدخل مباشرة والقول: “اسمح لي يا عزيزي…” أو “أرجوك”.. وعندها يبدأ حوار الطرشان، لأنه لا أحد يستمع للآخر، وكل واحد يجهز الإجابة ليبدو أكثر اطلاعا وثقافة، دون أن يعطي نفسه الفرصة حتى لفهم ما يريد الآخر قوله.
لا يتحرج من الإدلاء برأيه في أي موضوع يطرح ، حتى يبدو عليما بكلّ شيء ، فإن كان الموضوع المطروق في الفن التشكيلي وهو ينوي أن يصبح شاعرا ، فلا بأس من الخوض فيه ، وان كان في السينما يمكنه أيضا التدخل ، وغالبا ما يبدأ بالقول: “أعتقد أن …” أو “يخيل لي أن…” فهي يمكنها ان تنقذه من الظهور بمظهر الجاهل والبقاء ساكتا ، لا بل هذا ينطبق على الأمور العامة ، فإن أخبره احدهم أن طائرة سقطت في المحيط الهادئ على سبيل المثال ، فلا يستطيع البقاء ساكتا دون الإدلاء بدلوه ، وهنا يستخدم كلمة “يمكن” أو “ربما” و يكون المجال مفتوحا لا سيما اذا كان الحضور لا يعرفون شيئا في هذا الحقل ، فيقول مثلا: “ربما نسوا أن يقوموا بتزييت المراوح قبل الإقلاع…”.
لا ينسى التردد على الأندية الثقافية وتجمعات الكتاب والندوات أيضا، ولا بأس من التدخل في النقاشات الدائرة أحيانا حول كتاب ما قرأ غلافه، أو بعد محاضرة، ومصافحة المشاركين وتقديم نفسه بقوة، مع الإشادة بما قالوه في الندوة، بكلمات مثل “رائع” وأنها أضافت إلى حياته قيمة جديدة..”، حتى لو كانت المحاضرة عن الأدعياء أمثاله، ويمكن هنا أن يضيف قائلا، دون أن يرف له جفن: “معك حق في كل ما قلته، ونحن نشدّ على يديك لكشف مثل هذه الظاهرة…”. أو “تبا لمثل هؤلاء..” وبعدها طبعا ينسل راشداً..،
فتبا للساكتين والراضين والمطبطبين والنافخين والمنفوخين والضالين والمضللين.