بينما أنقل وأصدّر ما أمكنني من الأدب الليبي وبالذات القصصي منه والروائي إلى ما يدعونه تارة بالآخر وأخرى بالأجنبي، اقتضت الضرورة –وتقتضي– أن أضمّنه دراسات بهدف التعريف يه وإظهار أية خصوصية له بين أداب الامم الأخرى، لكني لم أجد منها إلا القليل وهي لا تعدو أن تكون قراءات عابرة تصويرية انطباعية ومنقولة عن بعض وناسية أو متناسية في الوقت ذاته فترات من التي شهدتها حركة الأدب وتطوره والمتصلة بحركة أدب العرب عامة وهو أمر يمكن إرجاعه لانعدام الصلة بين الباحث أو الناقد وبين المبدع نفسه، بمعني لا وجود أو وضع اعتبار لعلاقة من أي نوع بين الطرفين، كما لم تكن في ما يبدو ثمة متابعة أو مراجعة لبعضهما بعضا أولا وجود لوسائل أو وسائط فاعلة وجادة تمكنهما من ذلك كإدارات ثقافة ومراكز بحوث ودراسات.
وعليه فيمكن القول إن ما توفّر لدينا ما كان له أن يفي بالغرض المطلوب فضلا عن إنه ليس من عندهم أو معبّر عن رؤي أو مناهج تخصهم بل من صميم مناهج أوروبية صممت -خصيصاً– علي مقاسات أداب غير آدابنا وساهم هذا في تغييب أشياء كثيرة عنا وحرماننا منها، لكن بقدر ما نلومهم علي ذلك نعذرهم لان جلّهم محوّجون ولا يزالون لكل شيء من قبل أنظمة لا يهمها التعليم والثقافة التي يودون ويرغبون، وصيّرتهم بذلك ضحايا لمناهج تعليم متخلفة أساءت لماضيهم وضعضعت حاضرهم وغيّبت مستقبلهم، ومن كثرة الضغوط عليهم التي يخطئها الحصر ما عادوا يعوّلون علي شيء، صارت الأمور لديهم جميعها سواء، أقنعوهم بتجاوز القيمة الي الثمن، إلى المادة، تقول لهم ما تقول فلن تصل معهم الي نتيجة، لديهم قناعة بأن العالم تغيّر ولم يعد الادب يخضع لأمر من هذا النوع أو يخص أحدا دون آخر وكل المناهج انسانية وواحدة.
مشكلة ولا أظنها والوضع هكذا ستنتهي ما لم يثب للوضع جيل يدرك أية مسئولية ملقاة على عاتقه تجاه ما يقول وما يقرأ وما يكتب قبل أن يفاجأ ذات مرة بأن لاشي موجود من كل ذلك. كلام قلناه في أكثر من موقع لكتابنا وأدبائنا، وطالبناهم بالاعتماد علي أنفسهم بإعداد دراسات عن بعضهم البعض طارحين أمامهم خيارات جميعها مرضية ومقنعة، أن نقترح علي الكاتب من يكتب عنه او يقترح هو ذلك، خيارات مفتوحة، المهم الكل يكتبون عن بعض، في البدء بعضهم قال نحن لسنا بنقاد والنقد تخصص لكن حين كتبوا ثبت لنا أنهم لا يقلّون قيمة عن النقاد الحقيقيين أو من قالوا أو قيل عنهم ذلك، بل وغير ممدرسين أو ممنهجين، أيضا أظهروا أو كشفوا عن بعض قدرات وإبداعات يصعب علي نقاد كثيرين اظهارها ومثال علي ذلك ما كتبه الشاعر والناقد الليبي سالم العوكلي عن القاص والباحث أحمد يوسف عقيلة وهو موجود بهذه الصفحة، و أعتبرها كتابة رائعة وبامتياز ومؤكدة عل صحة قولنا .هي تجربة أو بادرة من شأنها تقريب الكتاب من بعضهم البعض وخلق جو من الالفة بينهم ودعما لإبداعاتهم واثراء لها واني لعلي ثقة من انه متي صفت النية وانعقدت العزيمة فسوف يقدمون الأفضل والأصدق مما يقوله الكثيرون من الكتاب العرب عنهم لانهم لن يعرفوا أو يعوا أدبهم أكثر منهم، صحيح أنهم منا والينا كعرب وأقرب الينا من غيرهم لكن الامور من الداخل تظل مختلفة، وأعود فأقول أنا جرّبت ذلك، بحثت كثيرا عن دراسات أدبية تحليلية صادقة ونزيهة وخلوة من المجاملات بيد أني لم أجد غير أشياء مدرسية كتلك المعتمدة علي النقل والهوامش وفتح الاقواس والتي هي لا مواكبة لقديم ولا لحديث، وبالمختصر المفيد لا شأن لكتابها بدراسة الادب ونقد وتحليل الادب، الاوروبيون من أصحاب صحف ومجلات ودور نشر كانوا – دائما- يطالبونني بدراسات عن أدبنا وأنا أدفع لهم بتراجمي في القصة، وكانوا كلما أعجبوا بنصوص ما ينفكون يسألون ويستفسرون عن أمور كثيرة كان من المفترض أن لا أجيب عتها بل تجيب عنها دراسات جادة ومسئولة . وما أقوله عني لا بد وان آخر من هذا القطر العربي أو ذاك يقوله، نفس المشكلة تقريبا وباختلاف التفاصيل، أناس مبدعة نترجم لها ولا أحد يعرف عنها شيئا لا في الداخل ولا في الخارج، نتكلم ونكتب ونترجم في الهواء، ترانا ونحن نكتب ونترجم وننشر فتقول ما شاء الله، لكن علي رأي الليبيين “اضرب الطوب تلقي التراب!” الناس تقرأ عنا تراجم ناقصة. علي هامش المعارض العربية كمعارض الكتاب تقام ندوات ودراسات حول ابداعات كتاب وادباء كثيرين ومنهم من لم نعرفه ولا سمعنا عنه لكن كلها لا صوت لها، أين تذهب بعد كل تلك الندوات والدعاية لها، لا أحد يدري، ومن المفترض توزيعها علي نطاق أكبر وأوسع لكي تكون في متناول الجميع، ! نحن العرب ينقصنا التواصل وكيانات العَداء والاستعداء عرفت كيف تفرقنا وتغرّبنا عن بعضنا البعض، جعلتنا أكلة فقط وأنستنا شيئا اسمه المعرفة، علّمتنا وعوّدتنا علي نظرية البحث عن الطعام، زحمتنا وطوبرتنا عند الحدود، كل حدود قطر عربي تجده محشودا بطوابير لا تنتهي من شاحنات غذاء وكساء ودواء وو ولا من بينها ولو بالغلط ثمة طابور واحد لشأن ثقافي أو معرفي !، سياسات خطرة، تعاملت معنا بسياسة جوالات الفئران المتقارضة والمتناهشة بعضها البعض، وخض دون توقف وتدهيش وتهليك حتي لا تقوم لنا قائمة، علمتنا كيف نكون طائعين مستسلمين دون حروب مباشرة، أن تكون الثقافة بالنسبة لنا ليست أكثر من ترف مادي واستمتاع جمالي، شعر وقصة ومعرض كتاب وحسب، وليس بالضرورة أن تكون – وكما هي – مشروع استثماري له الدور الرئيس في التنمية وان كان هو التنمية ذاتها ! اقطار عربية كثيرة لم يعد لها – للأسف – أي دور حقيقي للثقافة اللهم الا نسخها وتقليدها لثقافات – الغير- أو تمجيدها لثقافات الاستحواذ والاستعلاء والاستجداء، لكن ليس علينا وضع اللوم عليها ولا ادانتها فهي لها ظروفها وتربّت على ذلك، والا نظمة التي تتخذها أو تسيّرها ليست لها وتتمني أن تنفذ بجلدها منها من اليوم قبل غد لكن متمكن منها سحر أسود لا فكاك منه الا بمعجزة، والنتيجة؟ من الطبيعي أنها لن تأتينا عند فم الدار، وتحتاج منا الي تضحيات غير التي نراها علي السطح، أن لا نعوّل علي حكومة ونظل نحلم بأنها ستخدمنا وستدعمنا لتحقيق كل مشاريعنا الثقافية، الحكومة بقلب فقه لغتنا ” كومة حكو ” كلمة في كلمتين ” حكو و.. كومة، نقلبها نأتي وكما نقول نحن والحق سواء، الحكومة بهذا المفهوم السائد وهم، عفريتة أوجثامة، الحكومة الحقيقية أن تكون أنت نفسك حكومة، كيف! حك رأسك وكل ما فيك وفكّر، ليكن إنك لا تمتلك رأسمال مثلما الحكومة لكنك تمتلك مال الرأس القادر علي جبر خاطر الثقافة المكسور وضرب العفريتة أو الجذامة في عقر دارها، ويبقي السؤال الملحّ علينا: تري مع من ينبعي علينا أن نكون؟ مع رأس المال أم مال الرأس؟!