فازع دراوشة| فلسطين
أمضيت جانبا كبيرا من حياتي مهتما بكل ما يتعلق بمسيرة وطني منذ أوائل ثمانينيّات القرن ما قبل القرن الفارط، وقرأت في ذلك كثيرا.
ومن ملامح ذلك الاهتمام رصد ما يطرأ على حراك المجتمع الفلسطيني في الميادين كافة.
وسأسرد بهذه العجالة خمسة عشر مَعلما برزت بصورة أو غيرها في مواقع شتى في وطني فلسطين، بوتيرة سريعة أو بطيئة او ما بين النمطين. وقد تكون هذه المعالم جلية في مكان وباهتة في غيره. وقد تكون بمنزلة وسطى بين الظهور الواضح والظهور الخافت.
ومن أبرز هذه المعالم (وهي مذكورة عشوائيا ودون أي نسق ترتيبي معيّن)
أولا: التبكير المفرط في ” النزول على الزيتون. أي قطف الزيتون في فترة مبكرة جدا تكون غالبا في الأسبوع الأول من تشرين الأول، وكان لا يتم ذلك سابقا قبل أواسط تشرين الأول وأحيانا إلى العشرين منه أو بعد ذلك وقد يصل إلى الأول من تشرين الثاني.
ولا يخفى على المعنيين والعالمين بالأمر الفوائد المادية والصحيّة والاجتماعية التي تعود على ذوي العلاقة ومن حولهم في حال عدم التبكير في قطف ثمار الزيتون المباركة.
ثانيا: تراجع الاهتمام بالزراعة. ويتمثل ذلك في عدم المبادرة لغرس الأشجار على اختلافها، وعدم العناية بالأرض وحراثتها والتخلص من الأعشاب الضارة فيها وهذا يصدق على الأراضي الزراعية الكبرى والصغرى في القرى والمدن إذ طال الإهمال الحدائق المنزلية إن وجدت أحيانا. ولقد ساهم في إذكاء هذه الروح الغاء مبحث التعليم الزراعي الذي كان من ضمن المنهج الدراسي الفلسطيني حتى بداية الثلث الأخير من سبعينيّات القرن الفارط.
ثالثا: عدم انتاج الخبز بيتيّا. فقد تلاشت ظاهرة انتاج الخبز بالبيوت في الطوابين أو الأفران المنزلية أو حتى على ما تسمى ” طاسات الخَبز الكهربائي “، إلا ما ندر. وبات المرء يشاهد أكداس الأرغفة تنقل صباحا من الأفران وتوزع على البقالات حتى في القرى التي كانت معاقل الخبز المنتج بيتيا بالطوابين التي انقرضت تقريبا منذ ما لا يقل عن عقود ثلاثة على الأقل مع استثناءات لا يعتد بها. والسيء في الأفران التي ملأت القرى والمدن والمخيمات ان معظمها لا يرقى لمستويات محترمة من حيث نوعيّة القمح والطحين وجودة الإنتاج شكلا ومضمونا وتمليحا ونضجا …الخ.
رابعا: تزايد اتكاء كثير من ربات البيوت على مطاعم تنتج المأكولات والوجبات الجاهزة فيما لا حاجة ملحة له. أتفهم الاضطرار لذاك التصرف في حال وجود ” عزيمة ” لأعداد كبيرة من المدعوين، ولكن أن يكون سبب ذلك هو تكاسل أهل البيت جميعا عن إنجاز مأكولاتهم ووجباتهم فهذا هو المستغرب. واستهجن لجوء كثير من الناس لذلك مدركين ان مستويات الجودة والنوعية والنظافة والنضج لا تكون دائما على ما يرام.
خامسا: اختفاء ظاهرة القروض الحسنة بين الناس لانعدام الثقة لأسباب لا مجال لسردها هنا.
سادسا: تزايد الاعتماد على الاقتراض من البنوك جرّاء ما تقدمه من مغريات فيقوم كثير من الناس غير مضطرّين غالبا بالاقتراض غير آبيهن بحرمة ذلك وكيف ينتهي بمصائب في نهاية المطاف.
سابعا: الهروب من المشاكل بدل حلّها بالحوار والنقاش وإحقاق الحق. وهذا المَعلم يستوي فيه الأفراد والمؤسسات التي تغض الطرف عن مشاكل حقيقية يواجهها منتسبيها بدلا من حلها ودرسها وبحثها من جوانبها كافة للخلاص منها.
ثامنا: الورم الإعلامي والإعلاني فصار معظم الناس ” اعلاميين “، جاهلين او متجاهلين ان للإعلام اصوله التي تدرس وللإعلام رجاله ونساؤه. وقد يعزو البعض السبب للتكنولوجيا الغامرة التي جعلت كل شيء متاحا، ولكن التكنولوجيا لم تعلم المعنيين الأصول المرعية
تاسعا: تراجع (ويمكن انعدام) تربية الأنعام من غنم او بقر او ماعز او ابل وكذلك عدم اقتناء الدواجن والارانب لما في كل ذلك من مرادفة للاقتصاد الوطني العام وللاقتصاد المنزلي الخاص. كما ان ذلك يزيد من فرص العمل ويقلل من التبعية القاتلة لاقتصاد العدو.
عاشرا: تضخم الاهتمام بالشهادات ” العليا ” والتي باتت مسميات وكراتين في غالبها بشعار ادفع القسط وخذ الكرتونة ولا تكترث بالمضمون إلا من تعب على نفسه واحترم شهادته (او كرتونته). واعرف حملة شهادات عليا من سنوات لا تقل عن عقد او عقدين لم ينجز فيها بحثا واحدا محترما.
حادي عشر: تكرار العمرات بصورة لا لزوم لها ولم تخف الظاهرة إلا بعد أن ضربت جائحة الكورونا البلاد والعباد.
وقد يقول قائل أنها سياحة وخير من السياحات الأخرى، ولا أعترض شخصيّا على ذلك، ولكنني أرصد الظواهر وإن كنت اميل للقول أن عمرة واحدة تغني ووجوه انفاق بالخير غيرها أولى منها (أعني تكرار العمرات).
ثاني عشر: الانتشار المفرط للمفرقعات النارية والألعاب النارية في الأعراس غالبا وما شابهها حتى بات ” التفقيع ” أداة إعلان مضحكة عن مناسبة ما. وفي جميع الأحوال تعتبر تلكم المفرقعات مهلكة للاقتصاد الوطني والفردي وفي نفس الوقت اثراء لاقتصاد العدو ومساهمة به.
ثالث عشر: ارتفاع تكاليف حفلات الأعراس وابتداع حفلات في سياقه تسجل في نص مضحك يدون على بطاقات الدعوة لحضور الاعراس وهي أمور لم تكن رائجة قبل عقدين تقريبا
رابع عشر: كثرة احتفالات المؤسسات الرسمية وازدهار شغل الدروع والأوسمة والكؤوس وما إليها من الأمور التي لا جدوى منها.
خامس عشر: كثرة حفلات التخرج وما شابهها ابتداء من رياض الأطفال وحتى برامج الدكتوراه وما يستتبع ذلك من نفقات ومضيعة وقت غير لازمة ولا سيما لشعب تحت الاحتلال والاحتيال.
وبعد أرجو الانتباه لما يأتي:
1. هناك معالم سلبية أخرى
2.هناك استثناءات لا بأس بها لكل مَعلم من المعالم المذكورة أعلاه.
3. لا بد من قيام أولي الأمر والمسؤولين بأخذ زمام المبادرة بالتوعية والانصلاح والإصلاح
وللحديث صلة…