الأحد, 16 مارس 2025
أخبار طيوب عربية

ماهر حسن في روايته الجديدة “جدران تنزف ضوءً” يعيد رسم المشهد الإنساني

رواية (جدران تنزف ضوء) للكاتب ماهر حسن
رواية (جدران تنزف ضوء) للكاتب ماهر حسن

تفتح رواية “جدران تنزف ضوءًا” أبوابها أمام القارئ، كاشفة عن عالم خلف القضبان، حيث يختزل الزمن، وتذوب الأسماء في أرقام، ويتحول الجسد إلى ساحة صراع بين الحياة والموت. الرواية، التي صدرت حديثًا عن دار تاسك للنشر في الولايات المتحدة، هي العمل الجديد للكاتب الكردي السوري ماهر حسن، وتقدم في 470 صفحة من القطع الوسط، متوشحةً بلوحة غلاف للفنان خليل عبدالقادر.

تنتمي الرواية إلى أدب السجون، لكنها ليست مجرد سرد لوقائع الاعتقال والوحشية، بل هي رحلة إلى أعماق الروح الإنسانية، حيث الألم ليس مجرد حدث، بل حالة معيشة تستمر حتى بعد مغادرة الزنزانة. في صفحاتها، نجد أنفسنا داخل الزنازين السورية التي احتجزت آلاف الأرواح، تلك المساحات الضيقة التي تصبح عالمًا بأكمله، فيها يولد الخوف كل يوم، وفيها أيضًا يتشبث الأمل بأضعف خيط من الضوء.

ينسج ماهر حسن روايته عبر شخصيات متعددة، لكل منها قصتها الخاصة، لكنها جميعًا تشترك في وجع القيد وقسوة الانتظار. هناك من دخل السجن ولم يخرج، وهناك من خرج لكنه حمل الزنزانة داخله إلى الأبد. بأسلوب سردي عميق، يمزج الكاتب بين التوثيق الأدبي والتجربة الحسية، حيث لا يقتصر على نقل الأحداث، بل يُشعر القارئ بالبرودة التي تزحف على الأجساد، وبالرطوبة التي تلتصق بالجدران، وبالنبض الخافت الذي يحاول البقاء حيًّا وسط العذاب.

في “جدران تنزف ضوءًا”، لا يكون السجن مجرد جدران وأسلاك شائكة، بل يتحول إلى مساحة للانكسار والانبعاث. الشخصيات هنا ليست ضحايا وحسب، بل هي كائنات تبحث عن معنى وسط الفوضى. هناك من يتمسك بذاكرته كحبل نجاة، ومن يخلق واقعًا موازياً حتى لا ينهار، ومن يكتشف قوته في أحلك اللحظات. الكاتب لا يروي فقط كيف يموت السجناء تحت التعذيب، بل أيضًا كيف يعيشون رغم ذلك، كيف يقاومون الانهيار، وكيف تنمو بينهم صداقات تتجاوز فكرة البقاء.

من خلال مشاهد مكثفة ومؤثرة، يرسم الكاتب صورة دقيقة لما يحدث داخل المعتقلات، دون مبالغة في الوصف أو تهوين من الواقع. يستحضر تفاصيل دقيقة: أصوات الخطوات الثقيلة للحراس، صرير الأبواب الحديدية، رائحة العرق والدم، العيون التي لا تنام، والآمال التي لا تموت رغم كل شيء. في لحظات، تصبح هذه التفاصيل أشد إيلامًا من التعذيب ذاته، إذ تتحول إلى حياة جديدة مفروضة، حيث يصبح الألم جزءًا من الروتين اليومي.

رغم السواد الطاغي في الرواية، إلا أن الكاتب لا يترك القارئ في ظلمة مطلقة. هناك لحظات من الضوء تتسلل عبر الجدران، في همسات بين السجناء، في نظرة تحدٍّ، في قصيدة تُلقى بصوت خافت في زنزانة جماعية، في ضحكة مكتومة تخرق الصمت القاتل. هذا الضوء، كما يشير العنوان، ليس مجرد ضوء مادي، بل هو رمز للقوة الداخلية التي لا يمكن قمعها، للإرادة التي تقاوم الموت، للإنسانية التي تنجو حتى من أقسى الظروف.

“جدران تنزف ضوءًا” ليست فقط رواية عن السجناء، بل عن كل من اختبر الألم ولم يسمح له بأن يهزمه. إنها شهادة أدبية عن مرحلة من أكثر المراحل ظلامًا في تاريخ سوريا، لكنها أيضًا دعوة للتذكر، للرفض، وللإيمان بأن هناك دائمًا ضوءًا، حتى لو كان ينزف من الجدران.

مقالات ذات علاقة

“الناشرين العرب” يُقاضي 63 موقعا بتهمة قرصنة الكتب

المشرف العام

خبر سار للمدينة القديمة في غدامس والمدن الليبية المسجلة علي قائمة التراث العالمي

المشرف العام

قصيدة “قولي أحبك” في ميزان النقد الثقافي.. نسق الأنانية عند نزار قباني

توفيق عياد الشقروني

اترك تعليق