الجمعة, 11 أبريل 2025
متابعات

ثنائية القانون والأدب : محور الجلسة الافتتاحية لبرنامج ثنائيات ضمن معرض الكتاب الدولي

جلسة (ثنائية القانون والأدب) للدكتور الهادي بوحمرة

انطلقت مساء يوم الأربعاء 5 مارس الجاري فعاليات برنامج (ثنائيات) لشهر رمضان المبارك برعاية النيابة العامة، ضمن معرض الكتاب الدولي، وقد احتضنت قاعة المحاضرات بمتحف ليبيا بطرابلس أولى جلسات البرنامج وسط حضور لافت، ضم نخبة من الشخصيات الأدبية والقانونية، إلى جانب عدد كبير من طلبة كلية القانون والمهتمين بتقاطعات الفكر القانوني والأدبي، وافتُتحت الفعالية بجلسة حوارية حملت عنوان “ثنائية القانون والأدب”، شارك فيها الدكتور الهادي بوحمرة، الكاتب والأستاذ المحاضر بكلية القانون بجامعة طرابلس، حيث استعرض في مداخلته العلاقة العميقة بين المجالين، مسلطًا الضوء على نقاط التلاقي والتأثير المتبادل بينهما. تناولت الجلسة عدة محاور رئيسة، منها:

تأثير الأدب في تشكيل الوعي القانوني.

الرواية والتشريع ودور التحليل القانوني في تفسير الأعمال الأدبية الكبرى.

كيف ينعكس الأدب على القانون، وكيف يؤثر القانون بدوره في الأدب؟

التقاطع بين الأدب والقانون: لغة البيان والتشريع

في معرض حديثه استهل الدكتور بوحمرة بتبيان أن العلاقة بين الأدب والقانون تمتد إلى أبعد من مجرد التشابه في أساليب الصياغة، فهي علاقة متداخلة تساهم في صياغة الفكر القانوني نفسه. وأردف قائلا: إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن هذا التقاطع هو البيان والفصاحة، اللذان يشكلان جوهر الصياغة القانونية والمرافعات القضائية، مؤكدا أن القانوني الجيد ينبغي أن يكون على دراية واسعة بالأدب، أو على الأقل قريبًا منه، نظرًا لما يقدمه الأدب من أدوات لغوية وتعبيرية تعزز مهارات الإقناع والتأثي، وتابع بالقول: إن الكثير من القانونيين المهرة هم إما أدباء أو على تماس دائم مع الأدب، موضحًا أن هذا التداخل ليس مجرد ترف فكري، بل هو ضرورة ملحّة لمن يسعى إلى إتقان أدواته القانونية. وأضاف أن القوانين والنصوص التشريعية لا يمكن أن تُصاغ بصرامة جافة دون مراعاة الجوانب اللغوية والبلاغية التي تجعلها أكثر وضوحًا وقوة في التأثير.

الأدب كأداة لفهم القانون وتحليل القضايا

وتطرق الدكتور بوحمرة أيضًا إلى كيفية استفادة القانون من الأدب في تحليل الوقائع القانونية، موضحًا أن الأعمال الأدبية تعكس تجارب إنسانية متنوعة، يمكن للقانونيين الاستفادة منها لفهم السلوك البشري ودوافعه. وبيّن أن القضايا القانونية الكبرى كثيرًا ما تشكّل مادة دسمة للأدب، حيث يمكن أن يستقي الأدباء من المنازعات الجنائية والمدنية وقضايا الأحوال الشخصية موضوعات تعكس تعقيدات النفس البشرية والصراعات الاجتماعية.كذلك لفت إلى أن بعض الأعمال الأدبية الهامة يمكن أن تكون مرجعًا للمحامين في مرافعاتهم، حيث تسهم في طرح أسئلة جوهرية على المشرّعين والقضاة حول العدالة والتشريعات، وما يمكن أن تؤدي إليه من اختلالات بين الصرامة والرحمة، الردع والتسامح، العفو والقصاص.

الأسلوب الأدبي في القانون: بين الجمالية والدقة

كما انتقل الدكتور بوحمرة بعد ذلك إلى الحديث عن الفرق بين الأسلوب الأدبي والأسلوب القانوني، موضحًا أن الأول يستخدم اللغة العاطفية والبلاغية ليخاطب وجدان القارئ، وغالبًا ما يكون مفتوحًا على الاحتمالات والتأويلات، بينما يتميز الثاني بالدقة والوضوح والتسلسل المنطقي الصارم، ما يجعله أكثر جفافًا في كثير من الأحيان غير أن هذا لا يعني أن القانون لا يستفيد من الأسلوب الأدبي، بل على العكس، فهو يوظّف عناصره في مواضع محددة، مثل المرافعات القضائية وكتابة النصوص القانونية ذات الطابع التحليلي، حيث تصبح القدرة على الإقناع جزءًا أساسيًا من العمل القانوني، وأشار الدكتور بوحمرة إلى الفارق بين الخيال الأدبي والافتراض القانوني، موضحًا أن القانون، رغم طبيعته الصارمة، لا يخلو من عناصر تخييلية، حيث يعتمد على مفاهيم مثل القانون الطبيعي، العقد الاجتماعي، والحقوق الافتراضية، وهي كلها تصورات تستند إلى التخيل المنظم، لكنها تختلف عن الخيال الأدبي المطلق، الذي غالبًا ما يكون منفلتًا من القيود الواقعية.

حرية التعبير والملكية الفكرية: إشكالية العلاقة بين القانون والأدب

بدوره طرح الدكتور بوحمرة مجموعة من التساؤلات الجوهرية حول حدود حرية التعبير والإبداع الأدبي في ظل التشريعات القانونية، متسائلًا إلى أي مدى يمكن أن يكون القانون حاميًا لحرية الإبداع، ومتى يتحول إلى قيد عليها؟ وأوضح أن هذه الإشكالية تمثل جوهر العلاقة المتوترة بين الأدب والقانون، حيث يسعى الأول إلى كسر القيود، بينما يعمل الثاني على وضع الأطر والضوابط.، وفي هذا السياق، شدد على ضرورة إيجاد توازن بين حماية الملكية الفكرية وضمان حرية الإبداع، بحيث لا يصبح القانون وسيلة لتقييد الفكر الأدبي، ولا تتحول حرية التعبير إلى أداة لانتهاك الحقوق القانونية للآخرين.

واختُتمت الجلسة بتفاعل الحضور، الذين أثروا النقاش بمداخلاتهم وأسئلتهم حول هذا الموضوع الشائك، مما أكد أن العلاقة بين القانون والأدب تتجاوز مجرد التقاطع العابر، بل هي علاقة متجذرة تشترك في تشكيل الفكر الإنساني بمختلف مستوياته.

مقالات ذات علاقة

ثلاث إصدارات جديدة وصلت هذا اليوم

المشرف العام

علي فهمي خشيم… كاتبا ومثقفا فاعلا

علي عبدالله

حول مفهوم الهوية

ناصر سالم المقرحي

اترك تعليق