لا أدري لم أجد المنطق بلا منطق عندما يتعلق الأمر بتوظيف اللغة.. هناك أحكام كثيرة يطلقها المنطق تنسحب إلى حد كبير على أطراف الكلام دون أن تلامس جوهره. ثنائية الحقيقة في تحكيم المعنى القضوي مثلا. المعنى الذي ظل حبيس المفهوم الحرفي المباشر للكلام دون أن يتعدى لإنجاز المعنى التداولي. كثير مما يقال يحجب المعنى القضوي رسالتَه. إن تفسير مقاصد الكلام من خلال ماكينة المنطق العتيقة يغالط الغايات ويتنكب جادة الكلام.
أتصور أن الدرس المنطقي قد تأخر كثيرا عن اللحاق بالدرس اللغوي الذي قطع أشواطا بعيدة في الدراسات الدلالية والتداولية ولذلك آمل أن لا يبقى الدرس النقدي قيد أَدْراج المنطق العالقة في خِزانة اللغة حين يتصدى لقراءة منجزنا الإبداعي اللغوي. اللغة تتسم بالغموض الذي لا سبيل للمنطق أن يقاربها معه.
الحجاج اللغوي حجاج غير منطقي من منظور المنطق لكنه من منظور اللغة أكثر منطقية من المنطق. اللغات في تصوري ليست مواضيعا بل ذوات تنزع للتعبير عن نفسها وفي مقدمتها الإنسان. الإنسان بصفته ذاتا لغوية بالغة التعقيد لا يرتهن لمجرد العقل.
ليس في استطاعة المنطق أن يرسم لهذه الذات حدودا تفسيرية تحكم آلية عمل دوالها ومدلولاتها أو تصدر أحكاما عنها بالصدق أو اللّا صدق. سيظل المنطق ما لم يتم تحديث مفاهيمه تابعا تقصر خطاه عن اللحاق بتدافع المعاني التي تنجزها اللغة.