لأنه كان شخصا جادا وورعًا … فقد وضع كل ما منحه الله من قدرات موسيقية لخدمة الفضيلة … كان الموسيقار الايطالي أنطونيو ساليري يؤمن بأن المقدرة على التأليف الموسيقي … على إعادة صياغة وتركيب المشاعر الإنسانية في أنغام وتركيبات وجمل لحنية هي عطاء من الرب يخص به بعض عباده … لذا عندما سمع موسيقى موزارات ازداد يقينه بأن ما يسمعه هو عطاء رباني معجز … لا يمكن لبشر ان يصنع هكذا أنغام … هكذا أكد لنفسه …..
لكن السؤال الذي الح في داخله آنذاك هو لماذا فضل الله ذاك المؤلف النمساوي على … لماذا…؟ … لابد أنه أقرب إلى الله مني.. هكذا أجاب ساليري نفسه. لابد انه أقرب إليه مني. منحته الاجابة السكينة التي يريد ومضى في حياته كمؤلف موسيقي مرموق في بلاط الإمبراطور النمساوي حتى كان اليوم الذي علم بأن موزارات سيكون في فيينا وسيقدم موسيقاه في حفل على شرف رئيس أساقفة سالزبورغ.
ذهب ساليري للحفل ليعود مصدوما عندما رأى ان موزارات لم يكن سوى شاب طائش أرعن …وانه رغم عبقريته الموسيقية لا يمكن ان يكون أقرب الى الله منه. عاد ساليري بخيبة أمل وبقلب تنهشه الغيرة ويلهبه الغضب. قرر بينه وبين نفسه أن يحطم هذا الشاب النزق الذي لا يحترم ولا يستحق هذه الهبة الإلهية الهائلة …
هذا ملخص للحبكة التي بنى عليها الشاعر الروسي الكبير ألكسندر بوشكين مسرحيته الشهيرة ” موزارت وساليري” والتي جعل ثيمتها الرئيسية الحسد الذي يتملك الانسان ويقوده الى ارتكاب جريمة القتل. … اعتمد بوشكين على العلاقة الملتبسة التي كانت بين الموسيقيين …وعلى الشائعات التي دارت بعد موت موزارت وهو في الخامسة والثلاثون من عمره. … بوشكين جعل ساليري يصاحب موزارت ثم يدس له السم فيقتله.
أما المؤلف المسرحي البريطاني بيتر شافير فقد استلهم مسرحيّته من الشاعر الروسي بوشكين وابتكر نصا وحبكة رائعتين … ليحولها فيما بعد المخرج ميلوش فورمان إلى تحفة فنية سينمائية اختلط فيها الواقع بالخيال واعادت تلك التساؤلات المضنية عن حقيقة العلاقة بين الموسيقيين الكبار … وأعادت طرح سؤال ساليري البائس والذي بقي دونما اجابة … لماذا يا رب لم تعطني ما أعطيت موزارات؟.