طائرُ اللُقلُق لا يحتارُ كثيراً، إنهُ يقيسُ عمقَ الماءِ المناسِب بطولِ منقارِهِ، ويُميّزُ بين أنواعِ السمكِ بألوانِهـا، وعندما يلتقِطُ سمكةً زرقاءَ يُشرعُ فوراً في التفكير في السمكةِ الحمراء ويرصُدُ مكانهَـا، وعندما يلتقطهَـا لا يعود يكترث للأسماكِ الزرقاء، فلا يفكرُ في متابعتها.
لاَ أحدٌ يتابعُ طائرَ اللُقلُق وهو يُحَلِق، الجميعُ يراهُ وهو يَخُبُ وَسَط المَـاءِ، هو لاَ يهتَم لأحدٍ،
فهو يعرِفُ أن لا أحدَ يصطادُ طائرَ اللُقلُق.
إنه لا يَحتاجُ إلى الكثيرِ ليَعرِفَ ما يُريد، فقط ما يُريد، هكذا يفعَلُ دائماً طائرُ اللُقلُق.
الأسمَاكُ لا تنْتبِه لذَلك، عندما تختفي سمكةٌ حَمراءُ، لا ينزعِجُ باقي السمكِ الأحمر، عندما يحدثُ الأمرُ نفسَه مع الأسماكِ الزرقاء، لا تُغير بقية الأسرابِ طريقَها، بل تَضلُ تَسبحُ في الجِوار دون اكتراث.
إذ، لا أحدٌ يهتَم للعدَد، لا أحدٌ يكترِث للغائبين.
لا أحدٌ يرى الأسماك وهي تسبح في أعماق الماء، الجميع يراها تقفز إلى السطح فوق الماء، هي لا تهتم لأحد، فلا أحدٌ يصطاد السمك الطائر.
إنها لا تَحتاجُ إلى الكثيرِ لتَعرِفَ ما تُريد، هكذا تفعَلُ دائماً أسراب السمك.
فإذا حُقَ لطائرِ اللُقلُق أن يسبحَ في الفضاء، فإنه أيضاً يَحُق للأسماكِ أن تطير في عمق الماء.
هكذا تم الاتفاق بين رحابة الفضاء المنعشة، وأحضان الماء الدافئة.
من مجموعته القصصية؛ ما قد تبوح به الشمس ساعة الظهيرة؛ دار الكتب الوطنية، بنغازي ليبيا 2018