رئيس تحرير مجلة الثقافة العربية سابقا
حكايات وذكريات – سيرة قلم 64
مجلة الثقافة العربية من أهم المحطات الفكرية والثقافية في حياتي.. خضت من خلالها أول تجاربي الحياتية في مجال الصحافة والإعلام.. وأتاحت لي فرصة التعرف عن قرب على العديد من كتابنا وأدبائنا وشعرائنا.. فخبرت أساليبهم في الكتابة وطرائقهم في التعبير.. ومحاولاتهم المختلفة لصياغة نصوصهم الأدبية والثقافية.. وما يعتمل في صدورهم من أفكار ومعان وأحاسيس وتطلعات.
ومن خلالها أيضا تعرفت على أسرة تحريرها التي كانت تضم نخبة طيبة من أبناء بنغازي.. الذين سعدت برفقتهم طيلة عملي معهم.. ويسعدني اليوم – في عقد الثمانينيات – أن أسرد للقراء أسماءهم.. وآمل أن تسعفني الذاكرة بتذكرهم جميعا.. كي لا يسقط سهوا اسم أي أحد من هؤلاء الأفاضل:
أنيس السنفاز/ محمد السنفاز/ حسين مخلوف / عبد الرازق بوخيط / هليل البيجو/ جابر نور سلطان/ حسن بن عامر/ مفتاح بوشعالة / سكينة بن عامر/ ليلى النيهوم / زينب شاهين / عبير العريبي / تهاني دربي/ إلهام بن علي.
عملت بالمجلة مصححا ومحررا ومن ثم أمينا للاتصال الثقافي.. ونشرت خلال فترة عملي بها العديد من القصص والمقالات والدراسات الأدبية.. ومنها على سبيل المثال.. دراستي عن الأدب الأندلسي: غزل مليح الأندلس: صاحب العقد الفريد.. ودراستي عن الأدب العباسي: دفاع عن أبي العتاهية.. اللتين ضممتهما فيما بعد إلى كتابي: (أبعاد نقدية: في اللغة والأدب والتاريخ).
ومقالتي عن اللغة العربية: العربية في بعدها العالمي.. ونشرت بها أيضا بعض الأجزاء من سلسلة: (الكلمة في بعدها الآخر: مقالات في فلسفة اللغة).. التي صدرت ــ بعض أجزائها التي نجت من الضياع ــ في كتاب تحت نفس العنوان.. ونشرت بها كذلك قصتي: النورس المتردد والذئب.. اللتين ضممتهما فيما بعد إلى كتابي: (مملكة الحيوان: كتابة معاصرة لقصص الحيوان).. هذا بعض ما نشر لي بمجلة الثقافة في تلك الفترة الحافلة بالجد والعطاء والمعاناة أيضا.
على درب الكلمة الهادفة
أشرت في الجزء الأول من هذه الحكايات.. عن أمنيتي التي كنت أحاول أن أصل إلى تحقيقها منذ أن كنت طالبا بالصف الأول الثانوي.. كنت وقتها محبا للقراءة مغرما بجمع الكتب.. وكانت أمنيتي في ذلك الوقت المبكر من حياتي أن أكون كاتبا.. تلك كانت أمنيتي.. وقد شرعت بالفعل في تسطير محاولاتي الأولى والمتواضعة نثرا وشعرا.. ونشرت بعضا منها بالصحف والمجلات الوطنية.. وعرضت بعضها الآخر على من أثق في علمهم وثقافتهم.. فلاقت لديهم شيئا من القبول والاستحسان.
وشيئا فشيئا تدرجت في سلم الكتابة واعتبرت نفسي كاتبا.. وبالذات عندما نشرت في أواخر السبعينيات بواكير كتاباتي الجادة في صحيفة البيت التي كانت تصدر بطرابلس.. وأهم ما نشرت بها في تلك الفترة.. قصتين بعنوان: من ذاكرة دميم وجنة الأمومة.. وخاطرة أدبية بعنوان: إلى دنيا اسمها الأم .. ودراسة أدبية بعنوان: محاولة لإيقاظ الضمير العربي: حوار شعري يعرض الجانب القومي في شعر مظفر النواب.. بالإضافة الى العديد من الخواطر والمقالات والمحاولات الشعرية التي نشرتها في الصحف التي كانت تصدر في تلك الفترة.
وبعد دخولي للجامعة أدركت أن محاولاتي الأولى في مجال الكتابة قد آتت أكلها.. حيث أدرج اسمي – دون أن أطلب ذلك – بقائمة رابطة الأدباء الشباب بالجامعة.. وكان أيضا من بين الأسماء التي اختيرت لأسرة تحرير صحيفة الجامعة.
اليوم الأول بمجلة الثقافة العربية
من هنا.. وعندما دخلت على رئيس تحرير مجلة الثقافة العربية الأستاذ/ محمد حسن البرغثي – قبل أن ينال شهادة الدكتوراه – طالبا منه قبولي للعمل معهم بالمجلة.. كنت واثقا كل الثقة بمؤهلي وخبرتي في هذا المجال.
ولذا لم أطلب من أحد أن يتوسط لي عنده.. أو أرتب للقائي معه بوسيلة من وسائل الاتصال المعروفة.. توكلت على الله وتوجهت إلى مقر المجلة.. ودخلت عليه في مكتبه بلا موعد مسبق.. وسلمت عليه وعرفته بنفسي وقلت له بلا مقدمات أيضا: أنا خريج جامعة بنغازي/ قسم اللغة العربية/ وطالب بالدراسات العليا/ هوايتي الكتابة ونشرت العديد من كتاباتي بالصحف المحلية.. ولدي رغبة صادقة للعمل بمجلة الثقافة العربية.
كان بحق – كما عرفته فيما بعد – بشوشا في رده للسلام.. مؤدبا في ردوده وتعبيراته.. خلوقا ومتواضعا في تعامله مع الآخرين.. تبسم ثم قال لي: ليس لدي مانع في ذلك.. تستطيع أن تباشر عملك معنا من اليوم.
فرحت برده السريع غاية الفرح.. كنت دائما أكره أن يتوسط لي شخص ما.. لم أكن أتوقع أن يرد علي بكل هذا الأدب وبكل هذه السرعة وهذه البساطة.. شكرته على ذلك.. ثم قلت له: ولكن بشرط واحد لا غير… !!!
نظر إلي باستغراب شديد.. ثم قال: وما هو شرطك الوحيد.. ؟
قلت له: شرطي الوحيد.. ألا أكتب مقالا سياسيا.. ولا تطلب مني أن أكتب مقالا سياسيا.
ضحك مرة أخرى.. وضحك الضيف الذي كان يجلس بجانبه.. والذي عرفت فيما بعد أنه الدكتور/ عبد المولى الحرير.. الذي اعتقل وسجن بعد ذاك اللقاء بقليل.