الطيوب | متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان
أقام مجمع اللغة العربية بطرابلس احتفالية توقيع كتاب (أشواق طرابلسية) للكاتب الدكتور سعدون السويح الصادر حديثا عن دار الرواد للنشر والتوزيع، وذلك صباح يوم الإثنين 14 إبريل الجاري بقاعة المحاضرات بمقر المجمع وسط حضور نوعي للمثقفين والأكاديميين والأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي.
افتُتحت الاحتفالية بكلمة ألقاها الدكتور محمد بلحاج، نائب رئيس المجمع، رحّب فيها بالحضور وعرّف بخصوصية هذا العمل الأدبي الذي وصفه بأنه يمثل تجربة وجدانية ولغوية مكثفة، لافتًا إلى الخلفية الشعرية للسويح وتكوينه الأدبي الذي تأثر بالمتنبي ونزار قباني والشاعر الليبي الراحل عبد المولى البغدادي. وتلا بلحاج مقتطفات من الكتاب مع قراءة نقدية في لغته ومجازاته، وأكد بأن كتاب أشواق طرابلسية يعد تجربة ناضجة تعكس جماليات “القصيدة الومضة” أو “قصيدة السطر الواحد”، حيث تتكثف المعاني وتتوقد الأحاسيس في لحظة خاطفة. كما أثنى الدكتور بلحاج على جهد السويح في مجال الترجمة.


ثم قدّم الدكتور سعدون السويح مداخلة استعرض فيها السياق الزمني لكتابة نصوص كتابه (أشواق طرابلسية)، لافتا إلى أنها كُتبت على مدى سنوات طويلة، واصفًا الكتاب بأنه محاولة لتجسيد تجربة حياتية مركّبة في لغة تلامس الشعر وتستعير أدوات النثر. موضحا أن هذه المجموعة تأتي ضمن مشروع أوسع بعنوان “ألف ومضة وومضة”، وأن معيار نجاح النص بالنسبة له هو المتعة التي يولّدها في نفس القارئ مشيرا إلى إن الكتابة الومضية ليست خيارًا بل انتماء، وإنه يجد نفسه في هذا اللون الذي يتطلب الكثير من الجهد والتركيز. معلنا عن رغبته في إصدار عمل قادم يحمل عنوان “ألف ومضة وومضة”، مؤكدًا أن معيار نجاح النص في نظره هو “متعة القارئ” فقط. واستشهد بمقولة رولان بارت: le plaisir du texte (متعة النص)، معتبرًا أن النص إذا لم يمتع قارئه، فالمشكلة ليست في النص بل في كاتبه.
من جانبه شارك الناشر سالم سعدون، مدير دار الرواد للنشر والتوزيع بكلمة تطرق فيها إلى خلفيات إصدار هذا الكتاب، مؤكدًا التزام الدار بدعم النشر الأدبي الليبي، رغم التحديات اللوجستية والمادية التي يواجهها قطاع النشر في البلاد. وأشاد بخصوصية هذا العمل وما يحمله من رؤية فكرية وشاعرية في آنٍ معًا.
كما شارك الدكتور الصديق نصر بمداخلة حول تجربة سعدون السويح، واصفًا إياه بـ”الشاعر المجنّح”؛ وهي عبارة مستلهمة من النقد الأوروبي، وتعبّر عن الشاعر الذي لا تقيّده الأشكال ولا تسبقه النوايا، بل يحلّق في سماوات الإبداع مدفوعًا بإشراقات داخلية خاطفة، تتجلى كوميض لا يُستأذن، يداهم القلب، ويخترق الوعي بجماله. حيث يرى الدكتور الصديق نصر أن ما يكتبه السويح ليس خاضعًا لمنطق البناء الشعري التقليدي، ولا مندرجًا ضمن مسارات الحداثة النمطية، بل هو نتاج لحظات صفاء حادة، تنبع من أعماق الذات وتتشكل على هيئة لمعاتٍ شعرية لا تمهّل صاحبها كثيرًا، فإن لم يلتقطها ويصغِ لها، تذوي وتتلاشى. وقال في وصفه اللافت: “هذه الومضات ليست مجرد أسلو بل هي سعدون السويح نفسه، هي صورته في الكتابة، وهي جوهر صوته الأدبي”. وأضاف الدكتور الصديق أن مجالس السويح الأدبية لم تكن تخلو من هذه اللمحات، التي تُلقى عرضًا لكنها تحمل في طياتها من العمق والدهشة ما يجعلها قابلة للنمو كقصائد ناضجة.
فيما قدّم الكاتب والناقد يونس الفنادي قراءة نقدية بعنوان “أشواق طرابلسية: تجليات العشق للمدينة والوطن”، تناول فيها تعددية النصوص داخل المجموعة، والتي تتنقل بين القصيدة والومضة والنص المفتوح، معتبرًا أن العمل لا يعبّر عن حنين ذاتي فحسب، بل عن تمثيل شعري لمدينة طرابلس في أبعادها الروحية والثقافية، واستعاد الفنادي أيضاً كيف كان لكتابه النقدي (النص الشعري عند سعدون السويح)، الصادر عام 2013 عن دار الرواد، أثرٌ في تحفيز الدكتور سعدون على إخراج تجربته الشعرية إلى النور، حيث أشار إلى أن هذا الكتاب كان – باعتراف السويح نفسه – بمثابة دفع لطيف، أو “توريط جميل”، نحو ضرورة إصدار الأعمال الأدبية، وهو ما تُوج اليوم بميلاد “أشواق طرابلسية”.
بينما أوضح الفنادي حضور الأسماء المؤثرة في المجموعة، مشيرا إلى تجلي حضور الشاعر عبدالمولى البغدادي من جديد، في قصيدة “قصائد هاربة في ليل باريس”، المستوحاة من مكالمة هاتفية بينه وبين السويح لحظة وصول الأخير إلى باريس، حيث بعثت المكالمة في نفسه الحنين لذكريات المدينة ومشاهدها البصرية والعاطفية، فجاءت القصيدة كمناجاة بين العاشق ومدينة النور، ولم يفته أن يربط بين هذا الفضاء الباريسي وبين تجارب شعراء آخرين اختاروا المدن موطناً لإلهامهم، مشيرًا إلى تجربة الشاعر مفتاح العماري في قصيدته “مدينة” ضمن مجموعة “ثكنات”، كإشارة رمزية إلى المكان الذي يتجاوز جغرافيته، ليغدو فضاءً للحرية، وانبثاقًا للجمال، وانفتاحًا على دهشة القصيدة.
وفي سياق متصل، شارك أيضا الكاتب حسين المزداوي بورقة تحليلية سلّط فيها الضوء على البنية الشكلية للمجموعة، حيث أشار إلى أن الشاعر لا يقيّد نفسه بالأشكال الشعرية التقليدية، بل يقدّم نصوصه في فضاء مفتوح يتجاوز التصنيفات. واعتبر المزداوي أن التقسيم الوارد في الديوان إلى قصائد عمودية، حرة، ونثرية، ما هو إلا فواصل نظرية واصطلاحية، مؤكدًا أن الشاعر يقدّم رؤيته بأن الشعر يتجاوز الشكل، ويترك للقارئ حرية التصنيف والتأويل.
مضيفا أن المجموعة تعكس غربة الشاعر النيويوركية، لكنها لا تخلو من حضور عوالم الشعر العربي القديم، كالمتنبي وامرئ القيس والمتلمس، إلى جانب رموز الحداثة الشعرية مثل محمود درويش، وامتدادات عالمية تتجسد في إشارات إلى فرانك سيناترا، وزوربا، ونيويورك نفسها التي وصفها المزداوي بأنها مدينة متعددة الوجوه حيّرت الشاعر حتى في محاولته كتابتها شعريًا. كما تناول المزداوي عناوين القصائد، التي تراوحت بين المفرد والمركّب، وانعكست فيها مرجعيات ليبية وغربية وإنسانية.
واختتم الكلمات المشاركة الشيخ عبد اللطيف المهلهل، الذي قدم شهادة وجدانية حول بدايات هذا العمل، مشيرًا إلى أنه كان من أوائل من اطلعوا على بعض نصوص “أشواق طرابلسية” قبل طبعها، وعبّر عن سعادته برؤيتها منشورة. ودعا المهلهل إلى ضرورة التمهل في قراءة هذا الكتاب بعيدًا عن النقد الانفعالي، مطالبًا بدراسته لاحقًا ضمن مقاربات نقدية رصينة كما أثنى على ما وصفه بـ”الموسيقى الداخلية” في نصوص الكتاب، مؤكدًا أن الدكتور سعدون ينقل تجربة شعرية ذات طابع عالمي تتأرجح بين مدن مثل طرابلس ونيويورك وبرلين، وترتسم فيها مشاهد الطبيعة والضوء والموسيقى.








